للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[كيف بني تحريم الاختلاط؟]

لطف الله بن عبد العظيم خوجه

المقدمة:

الاختلاط موضوع كثر الكلام عنه، بكثرة من أباحه في الآونة الأخيرة، ممن له انتساب إلى العلم، ولن أكثر الجدل في هذه القضية، فأسردها على سبيل: فإن قالوا، قلنا. وهذا دليلهم، وهذا ردنا.

لكني سأقول كلمة مختصرة، يفهمها كل إنسان، يعرف ماذا أراد الله منه، وما نهاه عنه؟.

سأتجاوز ما لم يقل بتحريمه أحد من الناس، وهو ما كان عفويا غير مقصود لذاته، كالاختلاط في الطواف والأسواق والطرقات، وحضور المرأة للشهادة عند القاضي ونحو ذلك، وما كان له حكم الضرورة كخدمة النساء في الجيش وقت الحرب، حين يقل الرجال.

وسأتجه مباشرة إلى محل التحريم، ولا أقول الخلاف، فتسميته كذلك يعطي لقول المخالف قيمة، وهو لا قيمة له، فمحل التحريم هو: الاختلاط المنظَّم؛ المقصود لذاته.

وصورته جمع الطلاب والطالبات للدراسة في فصل واحد، والرجال والنساء للعمل في مكان واحد. بما يحدث به إزالة الحاجز؛ الذي هو الحجاب بين الجنسين، فيصبح هو زميلها، وهي زميلته. كصحبة الرجل للرجل، والمرأة للمرأة.

هذا النوع من الاختلاط محرم لا يشك في تحريمه عامي، فضلا عن العالم الصالح؛ فالأمر الذي لا يمكن التغاضي عنه: أن الغريزة الجنسية مسيطرة مهيمنة على هذه العلاقة.

فمن ذا الذي يدعي أنه لا يخف ويخفق حين يرى الشابة؟.

أما الذين يصفون هذا الرأي بالشهواني، ويشنعون على من ينبه إليه؛ أنه لا يرى في المرأة سوى موضع الشهوة والولد. فماذا كانوا يصنعون، وهم يتاجرون بأنوثة المرأة وإغرائها وجسدها في سوق الأفلام، والمسلسلات، والدعايات، والموضة: غير الضرب على وتر الشهوة والغريزة الجنسية؟!.

علينا بالحقائق التي لا تخفى على أحد، فموقع المرأة في نفس الرجل، وفتنته بها وإغراؤها، أمر أشهر من أن يستدل له. يكفي في ذلك ما نراه في المجتمع المختلط من افتتان يصل إلى السعار الجنسي، مع أن دعاة الاختلاط كانوا يقولون: الفصل والعزل يسبب السعار، والاختلاط يهذبه.

خلقت المرأة مهوى الرجل، وهو هواها .. هذه حقيقة .. بعد ذلك: لو جئت بهما، فجمعتهما جمعا، وخلطتهما خلطا، ثم أردت إليهما أن يكونا تقيين، محافظين، عفيفين. فأنت كمن يضع طعاما بين يدي جائع، ثم تقول له: صم ولا تفطر، وإياك إياك أن تبل يدك بالأدم.

نأتي إلى نصوص وردت، تسببت في اضطراب المبيحين؛ الذين كانوا يحرمون الاختلاط قبلا.

في تلك النصوص إخبار باختلاط الرجال والنساء، وأكثر من ذلك: أن تفلي المرأة شعر الرجل، وأن يردفها خلفه على الدابة، والمصافحة، والمجالسة، والخدمة، والأكل والوضوء معا .. إلى ما شئت.

نصوص أحدثت لبسا، حتى قيل: أين كانت قبل، لم بقيت حبيسة، لم نهتد بها إلى اليوم؟.

هي اليوم فتنة عمياء يعصم الله منها صاحب الدين، وصاحب العقل يعصمه عقله، لكن البلية إذا خلي منهما، فكان كمثل القائل: "فخر عليهم السقف من تحتهم". لا عقل ولا نقل.

إن علة خطأ المبيحين: أنهم لا يعرفون كيف تبنى الأحكام الشرعية. فالأحكام بناء كبناء البيت، لا يكفي جمع مواده ليصلح للسكنى، إنما بمعرفة وضع كل مادة مكانها، هنالك يكون مأوى وملاذا، وعند عامة الناس علم عام بمواضع البناء، من دون إحكام، لا يحكمه إلا المهندس الخبير. كذلك بناء الأحكام الشرعية لا يحكمه إلا العالم الراسخ.

والذين تكلموا في إباحة الاختلاط أبانوا عن جهل بطريق بناء الحكم، بظنهم أن مجرد وقوفهم على نص ظاهره أو حتى باطنه مبيح، يكفي في استخراج حكم بالجواز.

<<  <  ج: ص:  >  >>