الاستسلام لله والانقياد له بالطاعة، هو أصل دين الإسلام، فمن أسلم وجهه لله، ووقف عند حدود الله، فقد اهتدى، ونال الدرجات العلى. قال تعالى:{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}(النازعات:٤٠،٤١)، وأما من اتبع نفسه هواها، فإن عاقبته الهلاك، والخذلان.
وذلك أن المعاصي، والبدع، كلها منشأها من تقديم الهوى على الشرع. قال تعالى:{فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى}(النازعات:٣٧ـ ٣٩).
إن فساد الدين يقع بالاعتقاد بالباطل، أو بالعمل بخلاف الحق "فالأول البدع، والثاني اتباع الهوى، وهذان هما أصل كل شر وفتنة وبلاء، وبهما كُذِّبت الرسل، وعُصى الرب، ودُخلت النار، وحلت العقوبات" ولذلك ما ذكر الله الهوى في كتابه إلا على سبيل الذم، وأمر بمخالفته، وبين أن العبد إن لم يتبع الحق والهدى، اتبع هواه.
• إن اتباع الهوى ـ وهو "ما تميل إليه النفس مما لم يبحه الشرع"،خلاف مقصود الشرع؛ لأن "المقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج المكلَّف عن داعية هواه؛ حتى يكون عبداً لله اختياراً، كما هو عبد لله اضطراراً".
• صاحب الهوى لا حكَمَةَ له ولا زمام، ولا قائد له ولا إمام، إلهه هواه، حيثما تولت مراكبه تولى، وأينما سارت ركائبه سار، فآراؤه العلمية، وفتاواه الفقهية، ومواقفه العملية، تبع لهواه، فدخل تحت قوله تعالى:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ}(الجاثية:٢٣) قال عامر بن عبد الله بن الزبير بن العوام: "ما ابتدع رجل بدعة إلا أتى غداً بما ينكره اليوم" وقال عبد الله بن عون البصري:"إذا غلب الهوى على القلب، استحسن الرجل ما كان يستقبحه".
• صاحب الهوى ليس له معايير ضابطة، ولا مقاييس ثابتة، يردُّ الدليل إذا خالف هواه لأدنى احتمال، ويستدل به على ما فيه من إشكال أو إجمال، وإذا لم يستطع ردَّ الدليل لقوته، حمله على غير وجهه، وصرفه عن ظاهره إلى احتمال مرجوح بغير دليل.
قال شيخ الإسلام:"والمفترقة من أهل الضلال تجعل لها دينًا وأصول دين قد ابتدعوه برأيهم، ثم يعرضون على ذلك القرآن والحديث، فإن وافقه احتجوا به اعتضادًا لا اعتمادًا، وإن خالفه فتارة يحرفون الكلم عن مواضعه ويتأولونه على غير تأويله، وهذا فعل أئمتهم، وتارة يعرضون عنه، ويقولون: نفوّض معناه إلى الله، وهذا فعل عامتهم".