لا يخفى على أحد الفتن التي تحدث كل يوم في أمتنا الإسلامية من انتهاك لحرمتها وتدنيسٍ لمقدساتها واستهزاء بها، ومن ناحية أخرى فقد بدأ الوهن ينتشر في قلوب كثير من الناس وفقدوا الثقة في استعادة مجد تلك الأمة بل ربما فقدوا الثقة في ربهم هل تخلى عنهم أم لا يستطيع نصرهم؟! واستبد بهم اليأس من إمكانية التغيير من وضع الهزيمة إلى نصر.
أريد في هذه الأسطر أن أوضح للقارئ أن مرحلة الضعف التي تمر بها الأمة الآن ليست أولَ مرحلةِ ضعفٍ تمر بها، وليس أولَ انهزامٍ تراه الأمة على مر تاريخها وعصورها، ولكنها دائما ما حاول أعداؤها القضاءَ عليها فإذا بها تقوم من جديد، قال أحد المستشرقين على فترة ضعف المسلمين أيام الغزو التتاري والصليبي:" كانت المقولة في بداية القرن الثاني عشر الميلادي متى سيموت جيش محمد، وما إن قارب القرن على الانتهاء حتى تبددت المقولة أي شيء سيوقف جيش محمد"؟
وأريد أيضا أن أوضح أن الإسلام لا يهزم قط وإنما تهزم أجيال؛ لأنها ليست جديرة بالنصر ولا بالتمكين، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} .... [المائدة: ٥٤].
وهاك بعض مراحل الضعف التي ألمت بالأمة على مدى عصورها لترى أن كل هذه المراحل لم تزدها إلا قوة إلى قوتها وكانت كالأسد في براثنه.
١. في بداية البعثة واجه المسلمون محنا وضعفا وانهزاما كثيرا وعظيما ولكنَّ روحَهُمْ كانت تطَّلع إلى النصر حتى جاء بعد عشر سنين ـ بهجرتهم إلى المدينة ـ قضوها بين آلام التعذيب والمقاطعة المالية والمعنوية التي دامت ثلاث سنوات، ومع كل ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر عليهم ويقول لهم ـ وهذا ما نود أن نقوله للناس اليوم مؤمنهم وكافرهم، طائعهم وعاصيهم ـ)) ليبلغن هذا الأمرُ ما بلغَ الليلُ والنهارُ، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله اللهُ هذا الدينَ بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام وأهله وذلا يذل الله به الكفر (( .... [قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح].
٢. وعندما طلب منه أصحابه النصرة خاطبهم بقوله صلى الله عليه وسلم:)) .... والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكبُ من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا اللهَ والذئبَ على غنمه، ولكنكم قوم تستعجلون (( .... [رواه البخاري].