[الانقلاب على المنهج .. الأسباب والعلاج]
إبراهيم بن محمد الحقيل
٢٥ ذو الحجة ١٤٣١هـ
{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران:٨] ((يا مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قلبي على طَاعَتِكَ)) ((يا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قلبي على دِينِكَ)) ((اللهم إني أعوذ بك من الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ)) ((اللهم إني أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ اللهم إني أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ في ديني ودنياي وأهلي ومالي)).
لا يعرف العبد قيمة هذه الأدعية المأثورة وأهميتها إلا حين يرى كثرة الانتكاس في الناس، وتقلب قلوبهم، وتغير مناهجهم، وانتقالهم من فكر إلى فكر، ومن منهج إلى آخر، بل من الاستسلام لله تعالى ولشريعته إلى التمرد عليه وعلى شريعته.
لقد رأينا وسمعنا لأناس كانوا من أهل الخير والصلاح والعلم والدعوة والاحتساب والجهاد، أضحوا من أهل الردة والزندقة والإلحاد!
ورأينا دعاة رزقهم الله تعالى من تحصيل العلم وقوة الحجة وحدة العقل وروعة البيان ما حشد جمهور الأمة خلفهم، وشرقت محاضراتهم في الأرض وغربت، ثم خلعوا جلودهم ولبسوا جلودا غيرها، واقتحموا ميادين من كانوا قبل ينتقدونهم، وقبلوا منهم استضافتهم في صحفهم وفضائياتهم، ولم يكن ذلك بالمجان أو لتبليغ الدعوة فحسب ... ولكل تنازل ثمنه!
ورأينا من استسهلوا إباحة المحرمات، وإسقاط الواجبات .. ومنهم من قضوا شطر حياتهم في حراسة الفضيلة ثم انقلبوا يبيحون ما يروج للرذيلة ويقضي على الفضيلة.
وسمعنا عمن بكت الجموع لحسن أصواتهم بالقرآن، ولبكائهم في قراءتهم ودعائهم فارقوا المحاريب إلى غيرها!
ورأينا من خضعوا لضغط الواقع الاقتصادي فتساهلوا في أنواع من المعاملات المحرمة، ووظفتهم قلاع الربا في لجانها لتسبغ الشرعية على كثير من تجاوزاتها!
ورأينا من خضعوا لضغط الواقع السياسي، ومتطلبات الجاه والإعلام فحولوا قطعيات الشريعة إلى ظنيات، ثم أتوا عليها بالمسح والتحوير والتدوير لإضعاف الولاء والبراء، وإعلاء شأن الروابط الجاهلية، وتفتيت الرابطة الإيمانية، وتسويق آثام الحضارة المعاصرة.
كل أولئك وقع ولا يزال يقع، وهو مرشح للازدياد، وما كان أحد يظن قبل عقدين أن شيئا من هذا سيحدث، وهو ينبئ عن ضعف النفس البشرية التي قد تتبدل قناعاتها بين لحظة وأخرى، فلا حول ولا قوة للعبد إلا بالله العزيز الحكيم.
ولقد حاولت أن أتلمس أسباب انقلاب القلوب، وتبدل القناعات، وانتكاس المفاهيم عند المبدلين فوجدت أن منها ما يعود إلى ذات المنقلب، ومنها ما يعود إلى المجتمع ..
القسم الأول: أسباب تعود لذات المنقلب:
السبب الأول: مشارطة الله تعالى في دينه، وقلَّ من الناس من يسلم من ذلك لكنهم لا يشعرون به، ولا يبين لهم إلا عند الابتلاء، ولو تأملنا أشهر حديث في النية الذي لا يكاد يوجد باب من أبواب الشريعة إلا دخله، بل كان أساساً فيه حتى عده بعضهم نصف الشريعة لوجدنا معنى المشارطة فيه: ((فَمَنْ كانت هِجْرَتُهُ إلى الله وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى الله وَرَسُولِهِ وَمَنْ كانت هِجْرَتُهُ لدُنْيَا يُصِيبُهَا أو امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إلى ما هَاجَرَ إليه.)) (١) ومشارطة العبد لله تعالى في التزام دينه، والأخذ بعزائم شريعته قد تكون لغاية واحدة، وقد تكون لغايات عدة، وقد تكون لغاية صحيحة، كما قد تكون لغاية غير صحيحة، لكن أصل المشارطة غير صحيح.
(١) رواه من حديث عمر رضي الله عنه: البخاري (٥٤) ومسلم (١٩٠٧).