[مفهوم البدعة وأثره في اضطراب الفتوى المعاصرة]
(عرض ونقد)
٤ صفر ١٤٣٢هـ
البدعة خطرها عظيم وضررها جسيم، والابتداع في الدين في حقيقته هجر للمشروع، واستدراك على الشرع، ويفضي في نهاية الأمر إلى شرع محرف مبدل؛ لذا كانت البدعة أحب إلى الشيطان من المعصية.
وقد ألف العلماء في البدع قديماً وحديثاً، ومن المؤلفات الجديدة كتاب (مفهوم البدعة وأثره في اضطراب الفتاوى المعاصرة- دراسة تأصيلية تطبيقية) للدكتور عبد الإله بن حسين العرفج، والكتاب يحاول تقرير أن ليس كل بدعة ضلالة وأن البدع تنقسم إلى خمسة أقسام: واجب ومستحب وجائز ومكروه ومحرم، ولئن كان هذا التقسيم وهذا القول ليس بجديد وقد سبقه غيره إليه إلا أن الجديد في هذا الكتاب هو الأمثلة والشواهد التي حصرها واجتهد في جمعها.
عرض محتويات الكتاب:
عقد المؤلف كتابه في أحد عشر فصلاً، وهذا تفصيلها:
الفصل الأول: مقدمة في كمال الدين
الفصل الثاني: أنواع النوازل المستجدات وكيفية التعامل معها
الفصل الثالث: معنى البدعة في اللغة والشرع
الفصل الرابع: حكم الترك وأنواعه
الفصل الخامس: هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيما أحدثه الصحابة رضي الله عنهم
الفصل السادس: هدي الصحابة رضي الله عنهم في المحدثات بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
الفصل السابع: التوقيف في العبادات والقياس عليها
الفصل الثامن: نماذج من اختلاف السلف في الحكم التطبيقي للبدعة
الفصل التاسع: نماذج لاختلاف المضيقين لمعنى البدعة في حكم بعض المحدثات
الفصل العاشر: مقارنة بين محدثات المولد النبوي وصلاة القيام وعشاء الوالدين
الفصل الحادي عشر: صفات البدعة المذمومة في الشرع
المؤاخذات على الكتاب:
ا- الخلط بين المحدثات في العبادات والمحدثات في الوسائل كمساند الصف أو المحدثات الدنيوية كالمهرجانات الشعبية والتراثية.
ومن تأمل بعض الأمثلة التي ذكرها وجد أنها خارجة عن موضوع البدعة ومفهومها.
٢ - قصر المؤلف فهم حديث (من سنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنة ... ) على معنى واحد فقط، وهو إحياء السنن المهجورة بينما له معان أخرى كابتداء عمل مشروع أو فعل وسيلة لأمر مشروع إلى غير ذلك وليس المراد بالحديث الاستنان بمعنى الاختراع وابتداء المرء شيئا من تلقاء نفسه كما حاول أن يثبت المؤلف.
٣ - ربط المؤلف بين الحكم بالبدعية والتبديع.
وقد أغفل المؤلف قاعدة مشهورة وهي التفريق بين الحكم على الفعل أنه بدعة وبين تبديع الفاعل، وهو قد ذكر في كتابه مسائل عديدة لكبار العلماء المعاصرين وحُكم بعضهم عليها بالبدعة، ومع هذا لم نسمع أن أحداً منهم بدَّع الآخر.
٤ - الاضطرب في تحرير مفهوم الترك - أي ما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه - وما يقتضيه عند المضيِّقين لمعنى البدعة، فيحاول أن ينسب إليهم القول بأن الترك يقتضي التحريم بينما هم يشترطون قيد انتفاء الموانع وقيام المقتضي ولاشك أن هناك فرقاً بين القول بأن (الترك يقتضي التحريم) مطلقاً، وبين تقييد ذلك بـ (مع قيام المقتضي وانتفاء المانع).
٥ - احتجاجه بأن الصحابة أحدثوا عبادات في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته.
فأما في حياته فيجاب عنه بأن هذا كان في زمن التشريع وقبل اكتمال الدين، وكان الصحابة يفعلون ما يأمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم وربما اجتهد الواحد منهم اجتهاداً، فإن أصاب أقره النبي صلى الله عليه وسلم وبإقراره أصبح سنة مستحبة، وإن أخطأ أنكر عليه، حتى نزل قول الله عز وجل: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي} وهي من آخر ما نزل من الآيات. كذلك فإن الصحابة بشر يجتهد الواحد منهم فقد يصيب وقد يخطئ، وفعله في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ليس بحجة حتى يقره عليه صلوات الله عليه وسلامه.
وأما بعد وفاته فجميع الأمثلة التي أوردها المؤلف لا تخرج عن أحد حالات أربع:
إما أنها لا تصح سنداً. أو هي وسيلة وليست عبادة بذاتها. أو هي مما لم يكن مقتضاه وموجبه موجوداً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. أو هي من الأذكار والنوافل المطلقة التي لم يقل ببدعيتها أحد.
٦ - احتجاجه باختلاف السلف في الحكم على بعض المحدثات بالبدعية على أن البدعة ليست كلها ضلالة ومحاولته تقرير أن تقسيم البدعة إلى الأقسام الخمسة يفسر اختلاف العلماء في الحكم على بدعية مسألة ما، أما تضييقهم لمعنى البدعة، وأنها كلها ضلالة فليس فيه مسوغ لاختلافهم في الحكم.
ويجاب عنه بأن الحكم بالبدعة من الأمور التي يجتهد فيها العالم أو الفقيه، كالحكم بالكراهة والتحريم، ولكن ينبغي أن يُعلم أيضاً أن الحكم على الشيء بأنه بدعة لا يكون في الأمور الاجتهادية؛ لأن التبديع إنكار ولا إنكار في مسائل الاجتهاد، أما المسائل الخلافية فلا حرج من الإنكار فيها والحكم على بعضها بالبدعة، ولكن مع التحلي بالأدب.
٧ - مقارنته بين ثلاث محدثات مستجدات (المولد النبوي، وصلاة القيام، وعشاء الوالدين) لمحاولة إثبات مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي والذي أكثر من ذكره في كتابه ليلزم من أفتى بجواز بعضها القول بجواز الباقي، ويجاب عن ذلك بأن صلاة القيام لها أصل، فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وفعلها الصحابة من بعده، أما تقسيمها قسمين أو ثلاثة وفي أول الليل أو وسطه أو آخره فهذا حسب ظروف الناس وأحوالهم.
كذلك فإن عشاء الوالدين الذي أجازه العلماء هو التصدق عنهما، وليس مجرد الذبح كما يوهم كلام المؤلف.
لكن ما هو أصل الاحتفال بالمولد؟! وهل فعله الصحابة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم؟!
هذه بعض المؤاخذات على هذا الكتاب مع إجمال الرد عليها، ومن أراد الاستزادة في التعرف على هذه المؤاخذات مع تفصيل الرد عليها فليرجع إلى كتاب (كل بدعة ضلالة قراءة ناقدة وهادئة لكتاب مفهوم البدعة وأثره في اضطراب الفتاوى المعاصرة) للشيخ علوي بن عبد القادر السقاف المشرف العام على موقع الدرر السنية، والكتاب من إصدارات مؤسسة الدرر السنية.