بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١م، ومع ضغط المجتمع الغربي المباين للإسلام، وضعف كثير من الأنظمة في مواجهة الضغوط، انفلت زمام الثبات على المعلوم المستقر من مذاهب أهل العلم، واتسع الخرق على الراتق في الفتاوى المخالفة لما عليه جماهير المسلمين ولما استقر عليه العمل قرونا متطاولة، وبدأت تظهر المقولات الفاسدة من غير أن تجد لها رادعا قويا يردعها، وكان الرد في كثير من أمره يحدث على استحياء، بل في غالب الأحيان نجد من يقبلها ويروج لها- حتى ينجو هؤلاء من وصمة الإرهاب التي اتخذها الصليبيون سيفا مصلتا على رقاب المسلمين- وقدمهم الإعلام وأبرزوهم وأسبغت عليهم الألقاب والهالات حتى طغت صورهم وأسماؤهم، وتوارى خلفها العلماء الربانيون
وفي الطرف المقابل أُهمل كثير من الثقات من أهل العلم المشهود لهم على طول العالم الإسلامي وعرضه بالعلم والتقوى والإخلاص لدينهم والحرص على مجتمعهم، فلم يُرجع إليهم ولم يُؤخذ بقولهم، بل حجم دور بعضهم وتطاول كثير من الرويبضات على الرموز الشامخة منهم.
ففي الجانب السياسي نجد كثيرا من المعاهدات المبرمة بين بعض الدول الإسلامية وبين الدول الغربية لم يؤخذ رأي الفقهاء فيها ولم يشتركوا في صياغتها، بل ولا يعلمون على وجه التفصيل ما اشتملت عليه من التزامات، ودورهم فيها لا يتجاوز إعلان شرعيتها بعد توقيعها ليس لموافقتها للأحكام الشرعية، وإنما تحسينا للظن بمن وقعها، رغم ما قد يقع فيها من طوام.
ودخل كثير ممن لا يحسن الفهم والاستنباط في الفتوى، وظن أن وضعه الذي هو فيه يعطيه الحق في الإفتاء، فنجد كثيرا ممن يعملون في الإعلام: في الصحافة أو في الإذاعة المسموعة أو الإذاعة المرئية، من يدلي برأيه في المسائل الخطيرة التي لا يَحْسُن الكلام فيها إلا من الراسخين في العلم بل نجد من أهل الفن كالأغاني أو الرقص أو التمثيل من يتكلم في ذلك بما يبين صواب مسلكه مدعيا بعض الكلمات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، كقولهم: الإسلام لا يحارب الفن، أو الإسلام لا يقف في سبيل الإبداع، أو الإسلام يرفض التشدد والتنطع ويرتبون على ذلك حل أنواع الفنون المختلفة كالأغاني والموسيقى والتمثيل والرقص والرسم والنحت ولو لذوات الأرواح بدعوى أن تحريم ذلك كان في أول الإسلام.
هناك ممن ينتسبون إلى العلم من يتعامل مع الفتوى الشرعية وكأنها من ممتلكاته الخاصة، التي يحق له أن يعطي منها ما شاء لمن يشاء، وكأنه ليس مقيدا بنصوص شرعية، أو محكوما بقواعد أصولية في استنباط الأحكام الشرعية، نجد هذا المسلك في كل أو جُل ما يتعلق بمعاملة الكفار والمشركين، الذين تم الاستعاضة عنهم بلفظ "الآخر"، وما يتعلق بأهل الذمة- ساكني دار الإسلام من غير المسلمين- الذين تم الاستعاضة عنهم بلفظ "الإخوة أو شركاء الوطن".