إن الأحكام الشرعية ليست من كيس أحد، ولا يحق لأي مسلم مهما كانت منزلته العلمية ولو كان شيخ إسلام، أو وجاهته الدنيوية ولو كان أميرا أو رئيسا أو ملكا، أن يدخل أية تعديلات على الأحكام الشرعية، بل محاولة إدخال هذه التعديلات تقدح في دين من يحاولها، إذ عبودية المسلم لربه والإذعان لسلطانه، تقتضى قبول كل ما شرعه والتسليم له، وهو ما سجله ربنا تبارك وتعالى في قوله: "إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون"، وقوله: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما" ومنذ أن شنت أمريكا وحلفاؤها الحرب على الإسلام تحت ذريعة محاربة الإرهاب، لم تنقطع الفتاوى المناقضة للدين تحت مسميات متعددة تستخدم في غير مواضعها، كالتسامح والوحدة الوطنية وحقوق الإنسان وغير ذلك من المسميات. والحقيقة أن وظيفة المفتي ومكانته ودوره تقتضي منه التحرز فيما يفتي به ولا يتابع هواه وألا يستدرج من قبل بعض المغرضين أو يستغفل من قبل بعض الساسة أو أصحاب السلطان فيقع في الكذب على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم مسارعة في مرضاتهم وتحقيقا للمكانة لديهم.
نماذج من الفتاوى التغيرية:
فوجيء المسلمون بالعديد من الفتاوى التي لا فائدة من ورائها سوى تغريب المجتمعات وإفسادها، والتي تمثل استجابة لضغوطات المؤسسات أو الهيئات أو التوجهات المناوئة للإسلام:
١ - صدمتنا الفتوى الموقع عليها من عدد من ينظر إليهم على أنهم من العلماء التي تقول إنه يجوز للمسلم الأمريكي أو البريطاني ونحوه العامل في جيش بلاده أن يقاتل معهم إذا حدثت مواجهة عسكرية بين بلده وبين بلد إسلامي ولو أدى ذلك لقتل إخوانه من المسلمين وذلك إثباتا لولائه لبلده، فقدموا الولاء للوطن ولو كان دار كفر على الولاء لله ورسوله والمؤمنين.
٢ - فوجئنا بمن يفتي لدولة نصرانية علمانية بأنه يحق لها أن تسن قانونا يمنع على المسلمات التقيد بلباسهن الشرعي، وأن على المسلمات الرضوخ للقوانين التي تتدخل في حقوقهن الشرعية بالمنع، وأن من لا يروق لها ذلك فعليها أن تهاجر من بلدها الذي هو موطنها وموطن آبائها وأجدادها، وليس لها وطن غيره.
٣ - استقرت الفتوى عقودا طويلة على أن فوائد البنوك ربا جلي وصدر بذلك فتاوى من عدد من المجامع الفقهية، حتى ظهر من يتبجح ويقول بحل الفوائد وأنها ليست من الربا ويقول عن البنوك الربوية إنها أكثر التزاما بالشرع من البنوك الإسلامية مجرئا بذلك المسلمين على أكل الحرام، ومثبتا للبنوك على نهجها الخاطئ ووأد أية بادرة لتوبة البنوك ورجوعها عن الربا.
٤ - وجدنا من يفتي بجواز أن ترضع المرأة الموظفة زميلها في العمل حتى يكون محرما لها للنجاة من عوار مشكلات الاختلاط، ولو طولب هذا المفتي أن يبين لنا قول شراح الحديث في شرح الحديث الذي يستدل به لكفه ذلك عن كثير من قوله في هذه المسألة.
٥ - ثم وجدنا من يقول بجواز فك السحر بالسحر.
٦ - ووجدنا بعد ذلك من يتطوع بالإفتاء بحل الاختلاط ويجهد نفسه في البحث والتنقيب عما يمكن أن يستدل به لرأيه حتى جاء من ذلك بما يتعجب منه غاية التعجب.
٧ - ومنذ وقت قريب وجدنا من يقول بحل الأغاني حتى ما كان منها مصحوبا بالآلات، ويخطأ جمهور أهل العلم القائل بعكس ذلك.
فهذه عينة من الفتاوى التي لو عمل بها جرفت المجتمع بعيدا عن دائرة السداد وأدخلته في دوائر متعددة من الانحراف.