[نقد الخطاب السلفي ... وغياب القيم]
سلطان بن عبد الرحمن العميري
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فمن الظواهر الفكرية البينة في ساحتنا المعاصرة: التوجه إلى نقد الخطاب السلفي، وتقييم تجربته في قيادة المجتمع فقد توالت من هنا وهناك كتابات عديدة تقصد إلى فحص ذلك الخطاب، وتحديد ما تلبس به من أخطاء معرفية ومنهجية في تصور الناقدين حتى غدا الخطاب السلفي متهما بقائمة طويلة من التهم يصعب على المرء متابعتها فضلا عن البحث في تحديد قيمتها المعرفية والواقعية.
وقبل أن نلج في تفاصيل ما يتعلق بتلك الموجة الناقدة لا بد لنا أن نعطي تعريفًا مختصرًا للخطاب السلفي ونحن نقصد به هنا الخطاب الذي يعتمد على الانطلاق من الكتاب والسنة، ويقوم على مركزية اعتبار فهم السلف الصالح في التعاطي مع القضايا الدينية ويبني مواقفه على ما تقتضيه تلك المنطلقات ويكون المقابل للخطاب السلفي بهذا التصور كل خطاب لا يجعل الكتاب والسنة وفهم السلف منطلقًا أوليًّا له كالخطاب الاعتزالي والأشعري والصوفي والشيعي والعصراني فضلا عمن جعل العقلانية الغربية منطلقا له.
وقد اتسمت الانتقادات الموجهة إلى الخطاب السلفي بتنوع ظاهر في مسميات من تستهدفه بالاحتجاج عليه فتارة يوجه النقد إلى الصحوة الإسلامية وتارة يوجه إلى الخطاب السلفي مباشرة وتارة يوسع التوجه فيكون شاملا للاتجاه الشرعي بجملته ومحصل تلك المسميات راجع فيما يخص الحالة الداخلية إلى الخطاب السلفي؛ لأنه الخطاب الأصل الذي قامت عليه الصحوة المعاصرة وهو الذي يمثل الاتجاه الشرعي المتعمد فيها.
كما اتسمت بسمة أخرى وهي تنوع الممارسين لها فقد اشترك في توجيه التهم طوائف عديدة مختلفة في اهتماماتها واجتهاداتها من ثم مقاصدها.
فمن الحقائق الواقعية التي يجب علينا التسليم بها، وعدم التنكر لها أو التعالي عليها: أن المنتقدين للخطاب السلفي ليسوا سواءً بل هم متنوعون تنوعات تصل إلى درجة التنافر والتناقض أحيانا ويمكن أن نصنفهم إلى صنفين:
الصنف الأول: من ينقد من الخارج فلا شك أن عددًا من المشاركين في الاحتجاج على الخطاب السلفي ليسوا من المتبنين إليه وإنما هم ينطلقون من مناهج أخرى يسيرون في مجالها وهؤلاء أيضا منقسمون فمنهم من ينتمي إلى خطابات شرعية لها أصولها الدينية والعلمية المعروفة ومنهم من ينتمي إلى خطابات مادية لها أصولها الفلسفية المعروفة.
الصنف الثاني: من ينقد من الداخل بمعنى أنه مسلم بصحة الأصول التي قامت عليها المدرسة السلفية ومتبن لها في الجملة فمن البين أن عددًا من أبناء الخطاب السلفي ممن تربى في أحضانه بدا له مواطن في خطابه تحتاج إلى مراجعة النظر فيها وتستلزم التقويم والتصحيح وهؤلاء الأتباع ليسوا سواءً فإذا شئنا أن نوغل قليلا في فحصهم فإنه يمكن لنا أن نقف في الواقع على تنوعات عديدة فيهم فمنهم من يظهر في سبب نقده التسليم لضغوط الواقع وتغيراته أو التأثر بأطروحات فكرية خارجية أو داخلية ومنهم من لم يكن من هذا النوع ولا ذاك، وإنما ينطلق في نقده من محض البحث عن الحقيقة، وضرورة التسليم بها ووجوب النصح للمنهج والحرص على بلوغ النموذج الأمثل.