للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحسابات الجارية - حقيقتها وتكييفها]

د. حسين بن معلوي الشهراني

٢ذي الحجة١٤٣١هـ

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:

هذا بحث مختصر في موضوع مهم من موضوعات القضايا المالية المعاصرة، وبالتحديد المعاملات المصرفية المعاصرة، وعنوانه:

(الحسابات الجارية: حقيقتها وتكييفها)، وقد وضعت لهذا البحث خطة تتكون من مقدمة وخمسة مباحث، وكانت المباحث كالتالي:

المبحث الأول: حقيقة الحسابات الجارية.

المبحث الثاني: أهمية الحسابات الجارية.

المبحث الثالث: تكييفها الفقهي.

المبحث الرابع: الإشكالات الواردة على التكييف المختار.

المبحث الخامس: الأحكام والآثار المترتبة على التكييف المختار.

المبحث الأول: حقيقة الحساب الجاري (١):

الحساب الجاري هو أحد العمليات المصرفية المعاصرة، وتندرج في عرف المصارف تحت مسمى الوديعة النقدية الصرفية، وسيأتي بيان أهميته _إن شاء الله تعالى_، والمراد هنا تعريفه وبيان حقيقته.

والناظر في كتب الباحثين المعاصرين الذين كتبوا في هذه المسائل، سواء أكانت من الناحية الشرعية أم القانونية، أم الاقتصادية البحتة، يلحظ اختلاف المسميات التي أطلقوها على الحساب الجاري مع اتحاد المسمى، ومن تلك التسميات:

(١) الحساب الجاري.

(٢) الحساب تحت الطلب.

(٣) الوديعة الجارية.

(٤) الوديعة المتحركة.

(٥) الودائع تحت الطلب.

(٦) ودائع الحساب الجاري.

(٧) الودائع الواجبة للدفع عند الطلب.

(٨) ودائع بدون تفويض بالاستثمار، وهذه تسمية بنك دبي الإسلامي

(تأسس عام ١٣٩٥هـ).

ومن المسميات السابقة يظهر أن بعضها استخدم عبارة الحساب، وبعضها الآخر استخدم عبارة الوديعة، مع تعدد الوصف على كلٍ، فبعضها يصفها بالجارية أو تحت الطلب أو المتحركة.

والاختلاف في هذه الإطلاقات هو من باب التنوع لا التضاد، إلا أن بعضها نظر إلى ذات المبلغ الذي تم التعاقد عليه بين المصرف والعميل فأطلق لفظ الوديعة، والقسم الآخر نظر إلى المعاملة والقائمة التي تقيد بها المعاملات المتبادلة بين الطرفين فاختار لفظ الحساب.

والحقيقة أن الوديعة المصرفية أو المبالغ أو النقود التي يعهد بها الشخص إلى المصرف هي التي تنشئ الحساب الجاري، وليست هي الحساب الجاري ذاته.

وقد يقال: إن من التجوّز تعريف الحساب الجاري بأنه النقود أو المبالغ، كمن أطلق لفظ السفتجة على النقود المقرضة، وهي في الأصل ورقة يكتب فيها الدين.

والذي يظهر أن البحث منصب على حكم المال أو النقود التي يعهد بها صاحبها إلى المصرف، ويتعاقد عليها، وليس البحث في الحساب أو القائمة التي تقيّد فيها المعاملات بين الطرفين.

ولأن عنوان البحث المطروح هو: الحسابات الجارية، وحتى أتجنب الحكم المبكر على المسألة؛ فإني سوف أستعمل هذا الإطلاق في هذا البحث فيما يأتي من المباحث، والله الموفق.

تعريف الحساب الجاري:


(١) الحساب في اللغة مأخوذ من الفعل حسب، والحاء والسين والياء أصول أربعة، أحدها: العدّ، وثانيها: الكفاية.
والحسابُ والحِسابة: عدك الشيء، وحسب الشيء يحسبه بالضم حسباً وحساباً وحسابة: عدّه.
ونقل ابن منظور عن الأزهري قوله: وإنما سمي الحساب في المعاملات حساباً؛ لأنه يُعلم به ما فيه كفاية ليس فيه زيادة على المقدار ولا نقصان. ينظر: معجم مقاييس اللغة ص ٢٤٤، لسان العرب ٣/ ١٦١
وأما لفظ (الجاري) فقد قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة (ص ١٩٥):
"الجيم والراء والياء أصل واحد، وهو انسياق الشيء، يقال: جرى الماء يجري جرية وجرياً وجرياناً.
وفي المعجم الوسيط ص١٧١: "والحساب الجاري (في الاقتصاد) اتفاق بين شخصين بينهما معاملات مستمرة. (مج) " ..

<<  <  ج: ص:  >  >>