الحمد لله الواحد القهار، والصلاة والسلام على النبي المختار، وعلى آله وصحبه الأخيار.
أما بعد:
فلقد أظهرت أحداث غزة المؤمنة، غزة الصابرة، كثيراً من المعاني والمفاهيم العقدية التي تكلم عنها العلماء قديماً وحديثاً، فكانت ابتلاءً وامتحاناً للمسلمين وتمحيصاً لهم: ?وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ? [العنكبوت:١١]، فأظهر الله حقائق الإيمان وأثرها على أرض الواقع وهذا مما يزيد المؤمن يقيناً ويزيد أهل هذه المعاني ثباتاً على دينهم وجهادهم.
فما حصل في غزة ليس شراً محضاً بل فيه خيرٌ كثير يعرفه من نوَّر الله بصيرته بالإيمان، قال الله تعالى: ?كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُون? [البقرة:٢١٦]
ومن تابع الأحداثَ، ومجرياتِ الأمور، وشاهدَ ما حصل لأهل غزة، وما تبع ذلك من تصريحاتٍ، وبياناتٍ، وفتاوى، ومظاهراتٍ، ظهر له جلياً الفرقُ بين دراسة مسائل الإيمان والعقيدة نظرياً في المساجد والفصول الدراسية، وبين تطبيق مقتضياتها في ميادين الجهاد وعلى أرض الواقع، حيث تُمحَّص القَناعات، ويظهر أثرُ اليقين على النفوس، ويثبِّتُ الله من أراد به خيراً من أهل الصدق وحسن التوكل عليه، ويوفقه للعمل بمقتضيات الإيمان والتقوى، وأسُّ هذا الأمر: المعتقد الصحيح الذي من تمسَّك به علماً واستدلالاً كان أقرب للتحقق به عملاً، فجمع الله لأهل الثغر بين الفضيلتين، ومن هذه المعاني التي تجلت بوضوح سواءً لأهالي غزة أو لغيرهم من المؤمنين الصادقين والتي دلت على ثباتهم ورسوخ عقيدتهم: الإيمانُ بالقضاء والقدر، وصدقُ اللجوء إلى الله عز وجل والتوكلُ عليه، ومعاني الأخوة الإيمانية، وحُسْنُ الظن بالله، واليقينُ بموعودِ الله ونصره، وفي المقابل: هناك قوم سقطوا في الفتنة وخدشوا توحيدهم أو نقضوا إيمانهم بمظاهرة الكافرين على المسلمين وإخلالهم بعقيدة الولاء والبراء وسوء ظنهم بالله تعالى.
ومن هنا كان لابد من إيضاح هذه المعاني لأن أحداث غزة باتت امتحاناً عملياً اجتازه من وفقه الله وسقط فيه من لم يرد الله به خيراً ?ألا في الفتنة سقطوا? [التوبة:٤٩]