[رائد الإبداع طيب الأثر إشارات وعبر من سيرة ومؤلفات الشيخ بكر]
محمد بن عبد الله الذياب
الشيخ د. بكر أبو زيد - رحمه الله - عَلَمٌ بارز ومؤلف متميز، وفقيه مبرِّز، كان غيوراً على التوحيد، غيوراً على الحرمات، غيوراً على أعراض المسلمين، غيوراً على نساء وبنات المسلمين، غيوراً على لغة القرآن، غيوراً على طلبة العلم من التخبُّط، غيوراً على أهل العلم من الانجرار وراء الألقاب والتسميات التغريبية، غيوراً على ناشئة المسلمين من التربِّي في أحضان المدارس العالمية، غيوراً على ألسنة المسلمين من التفوُّه بما لا يجوز ولا يليق، غيوراً على منهج السلف، غيوراً على الأمة من التحزب والتفرق، غيوراً على أعراض العلماء والدعاة.
كان الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد - رحمه الله - مجموعة من التخصصات اجتمعت في رجل؛ فهو الفقيه، والأصولي، واللغوي، والنّسَّابة، والمحدِّث، والأديب، والمؤلف المعتز بعربيته (لغة القرآن) المدافع عن التوحيد والسُّنة.
كان الشيخ بكر - رحمه الله - صاحب مواقف عظيمة؛ فلم يدع مجالاً يهم المسلمين وأهل العلم وطلبته - صغاراً وكباراً - إلا طرقه مؤلِّفاً وموجِّهاً وصادعاً بالحق ومبيِّناً الصواب - كما يراه - ومحذِّراً من المخاطر بنظرة العالم الخبير المشفق الحريص على دينه وأمّته ولغته وناشئة المسلمين وأعراض المسلمات وأعراض أهل العلم؛ فجاءت مؤلفاته شاملة حاوية لعدد من العلوم مراعياً فيها حاجة وواقع المسلمين ونوازل الأمة.
بين الإمام ابن القيم والشيخ بكر أبو زيد رحمهما الله:
لمَّا كان شيخ الإسلام الثاني والإمام الرباني ابن قيم الجوزية صاحب تآليف متميزة، وأساليب مشرقة، وأطروحات مبرِّزة، عاش الشيخ بكر - رحمه الله - معه في كتبه ردحاً من الزمن متأمّلاً، ودارساً، ومحقّقاً، ومنقّباً، ومقرّباً لعلومه - فعالم كابن القيم يستحق دراسات متعددة ومتنوعة - فعاش معه الشيخ - رحمه الله - سنين عدداً. قال الشيخ متحدّثاً عن ذلك في كتابه (تقريب علوم ابن القيم ص ١١): (وقد عشت مع ابن قيم الجوزية - رحمه الله تعالى - زمناً مديداً بقراءة عامّة مؤلَّفاته المطبوعة البالغ عددها فيما وصل إليّ علمه: اثنين وثلاثين مؤلفاً منها ما يتكوّن من مجلدات، ومنها الرسالة في عدد من الملازم، ومنها ما بين ذلك. وقد منّ الله عليّ بقراءتها جميعها في زمن متصل، ومنها ما سبقت قراءته في أوائل الطلب) ا. هـ.
ثم تخصّص به وتخرّج على مؤلفاته بعد معيشته معه سنوات أخرى في (العالمية) فأخرج مؤلَّفاً متميزاً جَمَعَه من كلام ابن القيم سمّاه (الحدود والتعزيرات عند ابن القيم) ولم يكتف بذلك، وكيف لمن علت همته وتطلّعت للمعالي نفسه أن يقف عند حد في طلب العلم الشرعي؟ بل عاش سنوات أخرى مع ابن القيم حتى أخرج دُرّة نفيسة وسَمَها بـ (أحكام الجناية على النفس وما دونها عند ابن قيم الجوزية) فنال بها - ما يحب أن يُطلَق عليه بعيداً عن بهرجة الألقاب وتغريبها - درجة (العالمية العالية) وهي ما تُعرف في الأوساط الأكاديمية بالدكتوراه، وغدا الشيخ بكر - رحمه الله - متخصّصاً في ابن القيم؛ حيث قام بتقريب علومه بدرّته البديعة (تقريب علوم ابن القيم) وألّف عنه مؤلَّفاً متميزاً جميع فيه شذرات ودرراً من سيرته، وحصر مؤلفاته، فكثير ممن جاء بعده يحيلون على ما كتبه الشيخ بكر عن ابن القيم، وهذا من إنصافهم جزاهم الله خيراً، ووسم كتابه بـ (ابن قيم الجوزية: حياته، آثاره، موارده). وهو صادر عن دار العاصمة، ووعد الشيخ بأنه سيخرجه في طبعة جديدة تكون ضمن مشروع) آثار ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال) وذلك في الطبعة القادمة لوجود زيادات وإضافات عنده على الطبعة الأولى.