[حكم الدعاء بقولهم: (اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه)]
قسم البحث العلمي
ومراجعة المشرف العام
السؤال:
ما صحة أن يدعو الإنسان بهذا الدعاء: (اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه)؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً: ينبغي على المسلم أن يدعو الله سبحانه وتعالى بالأدعية المأثورة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يسأل الله بعزم ورغبة، وأن يسأل الله حاجته كلها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت اللهم أرحمني إن شئت ليعزم في الدعاء فإن الله صانع ما شاء لا مكره له)) رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
وفي لفظ عند مسلم ((ولكن ليعزم المسألة وليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه)).
والدعاء المذكور غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرد عن السلف، وليس فيه عزيمة ورغبة، ويدل على استغناء الداعي وبعدم الافتقار بحاجته إلى الله.
ثانياً: هذا الدعاء يخالف الأدعية المأثورة والثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم: كحديث سلمان رضي الله عنه أنه مرفوعاً: ((لا يرد القضاء إلا الدعاء .... )) رواه الترمذي.
وهذا الحديث فيه دليل على أن الله سبحانه وتعالى يدفع بالدعاء ما قد قضاه على العبد، وأن دعاء الله تعالى يرد ما يكرهه المرء من سوء القضاء.
وقد بين العلماء أن الدعاء يرد القضاء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) (٨/ ١٩٣): (الدعاء سبب يدفع البلاء، فإذا كان أقوى منه دفعه، وإن كان سبب البلاء أقوى لم يدفعه، لكن يخففه ويُضْعِفه، ولهذا أمر عند الكسوف والآيات بالصلاة والدعاء والاستغفار والصدقة والعتق. والله أعلم).
وقال ابن القيم في (الجواب الكافي) (فصلٌ: الدعاء من أنفع الأدوية): (والدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يدفعه ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه، أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن ........ ، وله مع البلاء ثلاث مقامات: أحدها: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه. الثاني: أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء فيصاب به العبد، ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفا. الثالث: أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه) ا. هـ
وقال السيوطي في (الحاوي للفتاوى) (١/ ٣٨٧): (وأما كونه سببا لدفع البلاء - أي الدعاء- فهو أمر لا مرية فيه فقد وردت أحاديث لا تحصى في أذكار مخصوصة من قالها عصم من البلاء، ومن الشيطان، ومن الضر، ومن السم، ومن لذعة العقرب، ومن أن يصيبه شيء يكرهه) ا. هـ ..
وقال المناوي في (فيض القدير) (٦/ ٤٤٩) عند شرحه لحديث ((لا يرد القضاء إلا الدعاء)): (أراد بالقضاء هنا الأمر المقدر لولا دعاؤه، أو أراد برده وتسهيله فيه حتى يصير كأنه رد، وقال بعضهم: شرع الله الدعاء لعباده لينالوا الحظوظ التي جعلت لهم في الغيب، حتى إذا وصلت إليهم فظهرت عليهم توهم الخلق أنهم نالوها بالدعاء فصار للدعاء من السلطان ما يرد القضاء).
وقال المباركفوري في (تحفة الأحوذي) (٥/ ٥٧٥) في شرحه لحديث ((لا يرد القضاء إلا الدعاء)): (القضاء هو الأمر المقدَّر وتأويل الحديث أنه إن أراد بالقضاء ما يخافه العبد من نزول المكروه به ويتوقاه فإذا وفق للدعاء دفعه الله عنه فتسميته قضاء مجاز على حسب ما يعتقده المتوقى عنه، يوضحه قوله صلى الله عليه وسلم في الرقى: ((هو من قدر الله))، وقد أمر بالتداوي والدعاء مع أن المقدور كائن لخفائه على الناس وجوداً وعدماً ...... أو أراد برد القضاء إن كان المراد حقيقته تهوينه وتيسير الأمر حتى كأنه لم ينزل، يؤيده ما أخرجه الترمذي من حديث ابن عمر ((أن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل)). وقيل: الدعاء كالترس والبلاء كالسهم والقضاء أمر مبهم مقدر في الأزل) ا. هـ ..
وممن أفتى بعدم جواز الدعاء المذكور الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في فتاوى نور على الدرب.
والله أعلم.