[للذين يسألون أين المشروع السلفي؟]
محمد بن إبراهيم السعيدي
السبت ٥ جمادى الأولى١٤٣٢هـ
أين المشروع السلفي؟ أين المشروع السلفي؟ أين المشروع السلفي؟
سؤال غريب تكرر عليَّ من كل صوب، حتى أثار فيَّ الدهشة بشكل لم أتصوره من نفسي حيال هذا الموضوع تحديدًا، فقد طرحه عدد من كتَّاب المقالات في بلادنا، وفي البلاد العربية، في سياقٍ من الانتقاص للتوجه السلفي الذي يسمونه من باب الخطأ الشائع تيارًا، فيزعمون أن الأحداث الأخيرة في البلاد العربية كشفت- بما لا يدع مجالًا لشكهم- ما يُعانيه السلفيون من فراغ في جانب المشروع السياسي، وأنهم لذلك تخبَّطوا في هذه الأحداث خبط عشواء، فلم يستقم لهم رأي، ولم تستبن لهم طريقة، وقد أثَّر هذا السؤال وما ورد عليه من إجابات على كثيرٍ من السلفيين، فأمَّنُوا على ما ورد فيه، وفحصوا الأرض بأرجلهم يبحثون فيها عن مشروع لهم لم تلده الأيام بعد.
ما أثار دهشتي هو إصرار هؤلاء على الانتقاص من السلفية؛ لكونها - في نظرهم - لا تملك مشروعًا سياسيًّا، دون أن يُكلِّفوا أنفسهم مراجعة الواقع من حولهم ليقولوا لنا قبل أن يغمزوا في السلفية: أين المشروع الإخواني؟ وأين المشروع التبليغي؟ وأين المشروع التنويري؟ وأين المشروع الليبرالي؟ وأين المشروع الماركسي والاشتراكي وهلم جرًّا؟ أين هذه المشاريع؟
لو تأملوا الواقع بإنصاف لأيقنوا: أنه لا يوجد في هذه الأزمة خاصة أي مشروع لكل تلك الجماعات, أسلاميةً كانت أم غير إسلامية.
فلماذا هذه الهجمة وهذا الانتقاص والاستخفاف على التيار السلفي وله، وبه؟
من يقرأ هذه التساؤلات وما كُتِب وراءها من نقد للسلفية، وتهويل لمظهر الفراغ الذي لحقها جرَّاء الأحداث الأخيرة، يعتقد أن الإخوان قد كوَّنوا دولتهم بشعارها الذي نشأت عليه: الإسلام هو الحل، وأن التنويريين قد اكتسحوا الانتخابات البرلمانية في أكثر الدول العربية، وأن الليبراليين قد نعموا بالحرية التي أرادوها وأسعدوا بها من حولهم، وأن اليساريين قد فرغوا من لمِّ شتاتهم الذي أحدثه سقوط الماركسية السوفيتية.
لم يسألوا أنفسهم: هل هذه الثورات التي حدثت صنعتها هذه التوجهات الفكرية الناعية على السلفيين ما هم فيه من فراغ مزعوم أم صنعها غيرهم؟
الجواب: بل صنعها غيرهم، بدليل أن أحدًا لم يدَّعِ لنفسه حتى اليوم أنه هو من صنعها.
ثم هل نجح أيٌّ من هذه التوجهات أن يحل بديلًا عن أي نظام من الأنظمة التي سقطت أو التي سوف تسقط؟
الجواب: أيضا لا, لم يستطع أيُّ توجه أن يحل محل الأنظمة الساقطة، بل لم يستطع أن يُقدم أحدٌ منهم نفسه بديلًا، ولعلي أخص بالحديث الإخوان المسلمين فإنهم أعرق الحركات المعاصرة في العمل السياسي، كما أن نجاحهم لو تمَّ وفق مشروعهم الأصيل لكان ذلك مكسبًا لكل التوجهات الإسلامية والسلفية منها على وجه الخصوص، وذلك لأن الكثير من رجالاتهم العاملين في المقدمة سلفيون من حيث الانتماء العقدي والفقهي، حتى هم حين قدَّموا أنفسهم للعمل السياسي في تونس ومصر أجَّلُوا مطالبهم العتيقة من أجل ذريعة السياسة، فلم يعودوا يرفعون شعار الإسلام هو الحل، كما كانوا يفعلون حين كانوا حركة محظورة، بل إن المتأمل في مشروعهم المطروح بعد الثورتين التونسية والمصرية يحسب أن هذا التأجيل تخلٍ عن تراث الإخوان الذي استشهد من أجله حسن البنا وحسن الهضيبي وسيد قطب وعبد القادر عودة وغيرهم، والذي ضاعت في سبيله أعمار زكية بين جنبات السجون العسكرية، ذلك التراث الذي يوجزه لنا رسم السيفين المتقاطعين يحملان مصحفًا.