[مقتطفات من مقال مفاتيح السياسة الشرعية]
إبراهيم بن عمر السكران
٣ محرم ١٤٣٣هـ
مدخل:
الحمد لله وبعد،،
أثيرت في الأيام الماضية في الساحة الفكرية المحلية إشكالية العلاقة بين (سيادة الشعب) و (سيادة الشريعة)، وشارك فيها أطياف متعددة من خلفيات فكرية متنوعة، تنويرية وقومية وليبرالية، والحقيقة أنني هممت بالكتابة حول هذه الإشكالية وتاريخها وعلاقتها بقواعد السياسة الشرعية، إلا أنني حين بدأت بالكتابة فعلاً؛ بدأ يقاطعني السؤال المتكرر الذي صرت أسمعه من عدد من القراء الكرام، وهو قولهم:
(إذا كنتم تنتقدون الديمقراطية وسيادة الشعب والحريات الليبرالية فما هو البديل السياسي الذي سيقدمه الإسلاميون إذن؟ ما الذي تريدون بالضبط؟).
صرت أتعرض لِلكمات هذا السؤال في كل مرةٍ أستعرض فيها الموقف الشرعي النقدي تجاه المفاهيم السياسية الغربية.
كنت سابقاً أجيب القارئ الكريم بكل اختصار أننا نطمح إلى (السياسة الشرعية) فيعاودني السؤال مرة أخرى (وماذا تقصدون بالسياسة الشرعية؟)
وهكذا صرت محاصراً بهذا السؤال في كل مرةٍ أحاول فيها المشاركة بنقد المفاهيم السياسية الغربية.
ولذلك تفاجأت بنفسي هاهنا مضطراً لتقديم تلخيصٍ مكثف لمفهوم (السياسة الشرعية) الذي يتطلع إليه الإسلاميون، على شكل مفاتيح، وبعدما أنتهي من عرض هذه المعالم العامة، والتخلص -ولو نسبياً- من ضغط سؤال (وما هي السياسة الشرعية التي تطالبون بها؟) سأعود -بإذن الله- بعد عدة أيام وسأطرح ورقة أخرى نتناقش فيها سوياً حول مفهوم (سيادة الشعب) وتطوره التاريخي وصولاً إلى الفكر السياسي العربي المعاصر.
قطعية نصوص الصبر والطاعة ومنع الخروج:
لاحظت في عدد من المجالس الفكرية، ومواقع التواصل الاجتماعي، أن بعض المعنيين بالتغيير السياسي الناقمين على الاستبداد، يرمون أحياناً ببعض العبارات التهكمية تجاه أحاديث (الصبر والطاعة ومنع الخروج)، وهذه المشاهد في الحقيقة من أكثر الانحرافات إزعاجاً للمؤمن المعظّم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء الأشخاص الذين يتهكمون بأحاديث الصبر والطاعة وتحريم الخروج هم في الواقع في غاية الحماقة، بل لا يستطيع العقل أن يتصور حماقة أطرف من ذلك، إذ كيف يهينهم المتغلب ويكبتهم، فيفرغون حنقهم في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم! هذا والله الخسارة والغبن بعينه.
الأمر بطاعة أولي الأمر جاء في كتاب الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء:٥٩] فهو نص متواتر قطعي.
وأما أحاديث (منع الخروج فيما دون الكفر) فقد جاءت بطرق كثيرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تبلغ حد التواتر، قال الشوكاني عنها (ولا ريب أن الأحاديث التي ذكرها المصنف في هذا الباب، أي باب الصبر على جور الأئمة وترك قتالهم، وذكرناها، متواترة المعنى كما يعرف ذلك من له أُنسةٌ بعلم السنة) [نيل الأوطار:١٣/ ٤٦٩، ت حلاق]
كيف يعرف المؤمن أن نصوص (الصبر، والطاعة لولاة الأمور بالمعروف، ومنع الخروج المسلح فيما دون الكفر البواح) كلها قطعية متواترة عن رسول الله، يجزم القلب بأن رسول الله قالها، ونطق بها، ثم يتهور المرء بمثل هذه العبارات في انتقاص هذه النصوص؟! لا أدري والله كيف يطاوعه قلبه ويستخف بها وهو يعلم أن رسول الله نطق بها؟ يسيء لك المتغلب فتقتص من نبيك؟!