للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والبعض يقول لأن هناك فريقاً يستغل هذه النصوص بتطبيقات سيئة، ولذلك نحن نتهكم بهذه الأحاديث، وما رأيت حجة أضل من هذه الحجة، إذن لتسخر بنصوص الحكم بما أنزل الله لأن هناك من يسيء تطبيقها، ولتسخر بنصوص النهي عن المنكر لأن هناك من يسيء تطبيقها، ولتسخر بأحاديث القتال في سبيل الله لأن هناك من يسيء تطبيقها، وهكذا، فهل هذا تفكير مؤمن يحترم نبيه؟!

يجب أن نحاول الإصلاح السياسي من الداخل، وتكثير العدل الشرعي وتخفيف الظلم؛ دون أن نخسر علاقتنا بحبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم- فماذا تساوي صناديق الاقتراع في العالم كله إذا أسأنا بنصف كلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

يجب بناء حاجز نفسي عظيم بين هؤلاء المتهورين وبين نصوص (الطاعة والصبر ومنع الخروج) يجب أن لا تكون هذه الأحاديث كلأ مباحاً يُستهتر بها ونحن نشاهد، فأين الغيرة والحمية لرسول الله؟! انتشار الاستبداد والأثرة والمظالم السياسية ليس مبرراً بتاتاً لهذه الإساءات المتكررة لحديث رسول الله، بالله عليك تأمل هذه الآيات وانظر مقام رسول الله:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) [الحجرات:١ - ٣]

انظر كيف كان مجرد "رفع الصوت" بحضرة رسول الله يجعل المرء على حافة "حبوط العمل"! نعم تحبط أعمالك كلها من صلواتك وصدقاتك وذكرك لله كل ذلك بمجرد "رفع الصوت" بحضرة رسول الله، يهبط رصيد أعمالك إلى الصفر، وتفقد كل ما عملت، لمجرد جهر بالصوت على رسول الله، فكيف بالله عليكم بمن يستهتر وينتقص أحاديث رسول الله؟!

وبعض الفضلاء يعتذر ويبرر لهذه الشريحة من المتهورين، بأنهم مستاؤون من التطبيقات الخاطئة للطاعة السياسية! وهذا خطأ خطير، أي مكسب لك في تسويغ الإساءة للسنة النبوية تحت أي ذريعة كانت، بالعكس، كان يفترض بك يا أخي الفاضل أن تكون في صف سنة رسول الله، لا في صف أقوام يعبدون الله على حرف، وتراهم إذا دعوا إلى النصوص معرضين، فإذا جاءت النصوص بما يهوون يأتون مذعنين، وما ذاك إلا بسبب مرض القلوب الذي غزاهم، قال الله:

(وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا) [النور:٤٨ - ٥٠].

أخيراً .. هذه معالم عامة، ولازال هناك الكثير من مسائل السياسة الشرعية، سأحاول استيفاءها في مناسبات قادمة، وما سبق كله ليس هو من الكليات القطعية المجمع عليها، بل بعضها ثوابت لا يختلف فيها الفقهاء، وبعضها مسائل اجتهادية لذلك عبرت فيها بلغة (الراجح والمرجوح) لا بلغة (الحق والباطل)، ويبقى للمخالف من أهل السنة فيها احترام اجتهاده، والله أعلم،،

وصلى الله وسلم على نبينا محمد،،

<<  <  ج: ص:  >  >>