[قاعدة في الأعياد]
سليمان بن عبد الله الماجد
الحمد لله وحده أما بعد ..
فإن الزمان والمكان ظرفان جامدان لا تعظيم لهما إلا ما عظمته الشريعة، والتفات القلب إلى تعظيم شيء منها واعتباره والاحتفاء به إما أن يكون قربة لله وضرباً من العبودية له؛ لأن شريعته عظمته، أو أن يكون بعداً عنه وضرباً من عوائد الوثنية؛ حيث كانت تعظم الجمادات ثم اخترعت في تعظيمها ما لم يأذن به الله.
والقاعدة في هذا أن كل قول أو فعل يقصد فيه الزمن، ويتكرران بعودة ذلك الزمن فهو عيد محدث في الشريعة؛ وإن غيَّر الناس تسميته، ويزداد الوصف تأكيدا إذا ظهرت فيه أعمال أخرى؛ كالاجتماع لأجله، والتهاني، أو الألعاب، أو المآكل والمشارب.
وبرهان ذلك أن البدعة تدخل في الدين المنزل المحدد بسمات تعبدية محضة؛ كالصلاة والحج والصيام، ويكون دخول البدعة فيها بأحد أمرين:
الأول: التغيير في بنيتها أو زمانها أو مكانها؛ فمن زاد ركعة في الصلاة، أو جعلها في غير وقتها، أو في غير مكانها على الدوام فقد ابتدع.
والأمر الثاني: فعل عبادة أخرى مضاهية لها ولو لم يُغير في الواردة بشيء؛ كمن أحدث صلاة سادسة تؤدى ضحىً، ويجتمع الناس لها في المساجد.
وإذا أردنا أن نتصور مسألة المضاهاة هذه فلنضرب لها مثالاً: فلو أن أحداً أراد أن يُعظِّم أباه فكان عند استيقاظه يقف صامتاً متوجهاً إلى منزل والده، وهو مع ذلك يتمتم ببيت معين من الشعر، ويحرك يديه بطريقة معينة يداوم عليها؛ فإذا سئل عن ذلك قال: هذه مجرد عادة لا مدخل فيها لبدعة، ولي أن أعظم والدي بأي طريقة أراها!
فلا ريب أن كل منصف سيقول: إن هذا الفعل يشبه العبادة المشروعة، وسيقرر أن هذا من أعظم المحدثات والبدع .. وذلك كله رغم أنه لم يركع ولم يسجد ولم يتل آية واحدة، كل هذا يدل على أن مضاهاة العبادة المحضة بدعة محرمة.
والأعياد الشرعية؛ كالفطر والأضحى جاءت بسمات التعبد المحض وذلك في اختيار الشريعة لزمانها على وجه لا يعقل له معنى على التفصيل؛ فوجب أن يُسلك بها سبيل العبادات المحضة؛ فنقول فيها ما قلناه في الشرائع المحددة بأنه لا يجوز أن نغير في زمانها؛ فنجعل عيد الفطر ـ مثلا ـ في ذي القعدة، ولا أن نجعل صلاة العيد بعد المغرب ولا أن نحوله حزنا؛ فهذا إحداث في بنية العيد وزمانه، وهو الأمر الأول الممنوع في العبادات المحضة ويُوصف بالبدعة.
أما في الأمر الثاني وهو المضاهاة فلا يجوز أن نحدث عيدا ثالثا؛ ولو لم نغير في الأعياد الواردة؛ كالذي قلناه في الصلاة السادسة.
وهذه هي النتيجة المطلوبة في هذه المسألة.
ومما يؤيد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى أيام التشريق ـ كما سيأتي في الحديث ـ سماها بالعيد؛ وذلك لأجل قصد الفعل أو القول أو المكان في الزمن المعين المختار من الشريعة على وجه التعبد.
وقد ذهب إلى اعتبار عدم معقولية المعنى لجريان حكم البدعة الإمام الشاطبي رحمه الله؛ فقال في "الموافقات" (٢/ ٢٢٢): ( .. التعبد راجع إلى عدم معقولية المعنى، وبحيث لا يصح إجراء القياس، وإذا لم يعقل معناه دل على أن قصد الشارع فِي الوقوف عند ما حدّه لا يُتعدى .. ).
وقال رحمه الله: ( .. لأن ما لا يعقل معناه على التفصيل من المأمور به أو المنهي عنه؛ فهو المراد بالتعبدي، وما عقل معناه وعرفت مصلحته أو مفسدته فهو المراد بالعادي).
وقال في "الاعتصام" (١/ ٣٤٧): (فإن كان مقيداً بالتعبد الذي لا يعقل معناه فلا يصح أن يُعمل به إلا على ذلك الوجه).
وفي "الشرح الكبير" (١/ ٦٧٢) قال الدردير رحمه الله: ( .. إن الشارع إذا حدد شيئاً كان ما زاد عليه بدعة) أهـ.