للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[صيانة الدين والمجتمع من تعديات أهل الأهواء (١)]

عبد الله بن ناصر الصبيح

١٣ جمادى الأولى ١٤٣١هـ

في الإعلام، سواء كان محليا أو فضائيا، هجوم مطرد على مظاهر التدين في مجتمعنا ومواطن الجمال فيه. ومن أجمل الجمال في بلادنا، الاجتماع الحاشد للصلاة. وبعضهم كتب يهون من شأن الصلاة جماعة، وآخر صرح بأن من المنكر الإنكار على من تخلف عن صلاة الجماعة وثالث كتب يستنكر على الدولة أمرها بإغلاق المحلات التجارية وقت الصلاة، وقد رأيت مقالا لأحدهم عنوانه "إغلاق المحلات التجارية للصلاة مخالف للشريعة من سبعة أوجه"، وقال فيه إن إغلاق المحلات التجارية لا أساس له من دين أو عقل، وكان مما سطره هذا المجتهد أن الاجتماع إلى الصلاة سبيل للجريمة ويدعو إلى الفحشاء والمنكر، هذا ما قرره هذا المجتهد، أما ما قرره الله عز وجل، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وأن نقوم له سبحانه قانتين أي في جماعات، فأيهما نصدق! العليم الخبير أم الجاهل البليد؟!

ومن مظاهر التدين التي وجهوا إليها سهام نقدهم، الفصل بين الرجال والنساء في أماكن العمل العامة والدراسة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وستر وجه المرأة، وحلق تحفيظ القرآن، وعقيدة الولاء والبراء، والدعاة والعلماء.

والهجوم على هذه القضايا ليس خاصا بها، بل هو في الحقيقة هجوم على التدين في المجتمع وعلى رموزه ومفاهيمه، فهؤلاء يريدون مجتمعا بلا دين ويريدون أن يكون التدين شأنا فرديا وليس نظاما اجتماعيا. فهم قد يقبلون أفرادا متدينين، ولكنهم لا يقبلون مجتمعا ذا دين. وهؤلاء محجوجون بقوله تعالى: {لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [سورة المائدة:٤٤]، وقوله: " {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات:٥٦] "، وبقوله: " {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة البقرة:٢١] "، وبقوله: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [سورة النساء:٦٥]، وبقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [سورة المائدة:٣]. ومن معاني الدين النظام العام الذي يخضع له جماعة من الناس أو الحكم والشريعة، قال تعالى: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} [سورة يوسف:٧٦]، أي في حكمه وشريعته.

وأستدل عليهم بالآيات، لأنهم ينازعون في طبيعة الدين، والأعلم بطبيعته من نزله وشرعه للناس، فوجب المصير إلى ما قرره عز وجل عن ما شرعه للناس.

وقد تولى كبر الهجوم على معالم الدين، فئة شرقت بالدين ورفعت شعار الليبرالية واحتجت بحرية التفكير، وأقرب وصف لها هو اللادينية. والتفلت من الدين ومعارضته صفة عامة في دعاتها، سواء كانوا في الشرق أو الغرب، وسواء كانوا في بلاد المسلمين أو في غيرها. ولا يستعظمن ذلك أحد، فالليبرالية في أقصى درجاتها كفر بالدين كله، لأنها تقصيه عن الحياة وتتحاكم إلى غير ما شرعه الله، وهي في أقل درجاتها، إيمان ببعضه وكفر ببعضه، وهذا يفعله أغرار الليبراليين ممن لم يفهموا الليبرالية وأرادوا أن يجمعوا بينها وبين الإسلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>