[التحصينات الشرعية من أنفلونزا الخنازير وغيرها]
د. علي بن سعيد العبيدي
الحمد الله منزل الداء والدواء، وصلى الله وسلم على من حضَّ على الدواء فقال: «تداووا عباد الله، فإن الله لم ينزل داءً إلا وأنزل له دواء»، وعلى آله وأصحابه الكرام الطيبين.
وبعد:
فليس بخاف على الجميع ما يعيشه كثير من الناس اليوم من حالات خوف وهلع شديد من جراء تفشي أنفلونزا الخنازير في بلدان العالم، واقتحامها بلداناً لا تعرف الخنازير أصلاً، وإنما جاء به الوافدون إليها.
وأنت تلحظ مظاهر الخوف والهلع في الأماكن العامة في أعين الناس وتصرفاتهم، فما أن يعطس أحدهم بصورة غريبة في مسجد أو مجلس أو مكتب أو ممر أو سوق أو مشفى حتى يلتفت إليه الجميع برقاب متطاولة وأحداق واسعة، فهو متَّهم مشكوك في أمره، وما أن يتحرك حتى ترصد العين اتجاهه بدقة، وما أن يمر بجمع حتى يتفرق عنه بسرعة، ولسان حالهم يقول: لا مساس.
ومما زاد الطين بلة كثرة الشائعات حول عدد الإصابات والوفايات، فما يعلن شيء، وما يتناقله الناس شيء، وأيضا كثرة الشائعات والتناقضات حول آثار العلاج والتطعيمات على مستويات رفيعة من أهل الشأن والاختصاص، فأصبح الناس أكثر حيرة وأكثر اضطرابا وقلقا إلا القليل منهم، وحتى تمنى بعضهم لو يفر إلى بعض الكواكب السيارة حيث تسبح النجوم! .. ولكن هيهات هيهات!
والواقع أنَّ غير المؤمنين أشد فرقا من المؤمنين، لركونهم إلى المعطيات البشرية المادية التي يعتريها النقص، ويخالطها الشك، وتقل فيها الثقة أحيانا أو تنعدم، ولكون الدنيا جنتهم ومنتهى أملهم؛ فحرصهم عليها شديد ولا غرابة!.
وأما الفريق الثاني فيتفاوت أهله في الخوف والهلع، بحسب ما قام في قلوبهم من الإيمان والتوكل وحسن الظن بالله تعالى، وبحسب ما قدموا من أعمال صالحة يرجون ثوابها، وما يفرق أكثرهم إلا لخوفه أن ينتهي أجله وهو مقصر، أولم يزدد من الأعمال الصالحة، فيحبس عن جنته، أو تقل رتبته.
أسباب كتابة الموضوع:
في خضم تلكم الأحداث وجدت ثلاثة أمور كانت هي الباعث الرئيس لكتابة هذا الموضوع، وبالعنوان الآنف:
أولها: إن أكثر كلام الناس في مجالسهم ومنتدياتهم وعلى جميع المستويات منصب على التحصينات والعلاجات المادية فحسب.
وثانيها: تعلق طائفة من المسلمين بالأسباب الوقائية المادية، وانصرافهم إليها دون الأسباب الإلهية، إما لغفلة منهم، أو جهل، أو ضعف يقين.
وثالثها: تداول الناس لبعض الأدعية غير المأثورة، والتي يرتقي بعضها إلى البدعة.
فلأجل هذه الأسباب ـ بصورة مباشرة ـ كتبت هذا الموضوع على اختصار من أصله؛ لتذكير المسلم بجملة من التحصينات الإلهية للوقاية من الأمراض والآفات وسائر المكاره والشرور وإن عظمت عند البشر (كوباء الخنازير)، أو لرفعها بعد نزولها وتخفيفها.
وهذه التحصينات لا تخضع للمجهر، ولا للتجارب المعملية، ولكن تصدقها التجربة المباشرة، والواقع المشاهد، ولا يستفيد منها ـ في الجملة ـ إلا أهل الإسلام، فهي من ثمرات التوحيد وجزائه المعجل في الدنيا.
ولتعلم الدنيا أن لدينا أنواعا أخرى من التحصينات ـ التي تشعر بجلال الإسلام وعظمته ـ بالإضافة إلى ما لديهم.
وليعلموا أن ما يأخذون به من وسائل مادية للوقاية من وباء الخنازير ـ وما في معناه ـ قد سبق إليها الإسلام ودعا إليها، وما هي في حقيقة الأمر إلا بعض ما جاءت به الشريعة المحمدية من التحصينات الوقائية من الأوبئة والأمراض، وهي تحصينات يشترك في الإفادة منها جميع البشر من مسلمين وغير مسلمين.
التحصينات الشرعية الوقائية المادية:
اهتم الإسلام بالجانب الوقائي فيما يتعلق بالأمراض بصفة عامة، وبالوبائية منها بصفة خاصة، ومن مظاهر هذا الاهتمام: