للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ - نهيه عن دخول الأرض الموبوءة أو الخروج منها.

وذلك لحصر الوباء فلا تتسع دائرته، وهو ما يعرف في الطب الحديث بالحجر الصحي، قال صلى الله عليه وسلم: «الطاعون رجس أرسل على طائفة من بني إسرائيل أو على من كان قبلكم، فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه» (١).

ولذا لم يجز بعض العلماء السفر إلى البلدان الموبوءة أو الخروج منها إلا لغرض صحيح.

٢ - نهيه المريض أن يقدم على الصحيح.

وذلك لتضييق دائرة المرض المعدي، والذي قد ينتقل بالمخالطة إلى الأصحاء فيمرضهم بمشيئة الله وإرادته، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يورد ممرض على مصح» (٢)، وعليه فلا يجوز لمن أصيب بمرض وبائي كأنفلونزا الخنازير مخالطة الأصحاء، ولا غشيان أماكن تجمعاتهم، خاصة أماكن العبادة التي يجتمع فيها الناس، لما قد يلحقه بهم من ضرر.

٣ - أمره بالابتعاد عن بعض أصحاب الأمراض المعدية بأفظع عبارة.

وذلك من باب الأخذ بأسباب الوقاية مما جعله الله سببا للإصابة بالمرض عند المخالطة إذا شاء الله سبحانه، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «فر من المجذوم فرارك من الأسد» (٣).

ولما جاء وفد ثقيف لمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم كان معهم رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: «إنا قد بايعناك فارجع» (٤).

وما ذاك إلا لأن الجذام مرض معدٍ بالتجربة والمشاهدة، والمجذوم حقه العزل عن الناس.

٤ - أمره العاطس بأن يضع كفيه على وجهه.

وذلك أن العاطس قد يتطاير من فمه ما يؤذي الجلساء، أو يلوث الهواء، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا عطس أحدكم فليضع كفيه على وجهه، وليخفض صوته» (٥).

ويتأكد هذا الأمر متى ما كان الإنسان مصابا بمرض معد كالزكام وأنفلونزا الخنازير مثلا، فيضع كفيه على وجهه، وقد يستعين لذلك بكمامات أو منديل أو شماغ ونحوه، حتى لا يتطاير الرذاذ في الهواء، أو يقع على المسطحات فتنتقل العدوى إلى الأصحاء بمشيئة الله وإرادته.

وللإسلام أساليب أخر تربوية راقية في التصرفات والأفعال، ويصح أن تكون وسائل وقائية يقوم بها المرء حال الشرب والبصاق، وقبل تناول الطعام وبعده، ويحترم فيها ما يشترك فيه الناس من المياه والطرق والظل، ويتأكد العمل بها عند ظهور المعديات لما قد يترتب على التفريط فيها من ضرر ذاتي أو متعدٍّ.

فما أعظم الإسلام، وما أعظم ما جاء به من تعاليم للحفظ على صحة البشرية وإسعادها.

وقد صدقت الباحثة البولونية يوجينا غيانة ستشيجفسكا ( B. G. Stryzewska) - المتخصصة في الدراسات القانونية - إذ قالت:"إنّ القرآن الكريم مع أنّه أنزل على رجل عربيّ أُمّي نشأ في أمّة أميّة، فقد جاء بقوانين لا يمكن أن يتعلمها الإنسان إلاّ في أرقى الجامعات" (٦) وكذا القول في السنة فيما يتعلق بالأدوية الطبية الطبيعية.

رأي العلماء في التحصينات الشرعية الإلهية:

تكلم العلماء في القديم والحديث عن تأثير التحصينات الإلهية في دفع الأمراض ورفعها، وأكتفي بذكر جملة من أقوالهم المنتخبة:


(١) أخرجه البخاري في الأنبياء (٣٢٨٦).
(٢) أخرجه البخاري في الطب (٤٥٣٧).
(٣) أخرجه أحمد (٩٧٢٢)، والبيهقي في الكبرى (١٣٥٥٠)، وأورده الألباني في الصحيحة (٨٧٣) وصححه.
(٤) أخرجه مسلم في السلام (٢٢٣١).
(٥) أخرجه الحاكم (٧٦٨٤)، والبيهقي في الشعب (٩٣٥٣)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (٦٨٥).
(٦) قالوا عن الإسلام (ص٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>