للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن القيم:"ها هنا من الأدوية التي تشفي من الأمراض ما لم يهتد إليها عقول أكابر الأطباء، ولم تصل إليها علومهم وتجاربهم وأقيستهم من الأدوية القلبية والروحانية وقوة القلب واعتماده على الله والتوكل عليه، والالتجاء إليه، والانطراح والانكسار بين يديه، والتذلل له، والصدقة، والدعاء، والتوبة والاستغفار، والإحسان إلى الخلق وإغاثة الملهوف، والتفريج عن المكروب؛ فإن هذه الأدوية قد جربتها الأمم على اختلاف أديانها ومللها، فوجدوا لها من التأثير في الشفاء ما لا يصل إليه علم أعلم الأطباء، ولا تجربته ولا قياسه؛ وقد جرّبنا نحن وغيرنا من هذا أمورًا كثيرة، ورأيناها تفعل ما لا تفعل الأدوية الحسيَّة" (١).

وقال ابن حجر في معرض الرد على من ينكر بعض مفردات الأدوية الإلهية:"وقد تواترت الأحاديث بالاستعاذة من الجنون والجذام وسيء الأسقام ومنكرات الأخلاق والأهواء والأدواء، فمن ينكر التداوي بالدعاء يلزمه أن ينكر التداوي بالعقاقير، ولم يقل بذلك إلا شذوذ، والأحاديث الصحيحة ترد عليهم ... ورد البلاء بالدعاء كرد السهم بالترس، وليس من شرط الإيمان بالقدر أن لا يتترس من رمى السهم" (٢).

وقال المناوي:" ... كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يعالج الأمراض بثلاثة أنواع: بالأدوية الطبيعية، وبالأدوية الإلهية، وبالأدوية المركبة منهما" (٣).

وهو كما قال، ومثالها على التوالي إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى علاج مرض العين بماء الكمأة، والنظرة بالرقية، ولسعة العقرب بالجمع بين الماء والملح والرقية.

وقال الألباني في جوابه لما سئل عن العاجز عن إتيان أهله لاحتمال أن يكون مربوطا:" .. هذا إما مرض وإما سحر، فإذا كان مرضاً فالأطباء يكتشفونه، وإذا كان سحراً فلا يستطيع الأطباء أبداً أن يكتشفوه؛ لأن هذا مرض روحي، والأطباء يعالجون الأمراض المادية، ومن هنا يجب على المسلمين أن يتعالجوا بالطب النبوي، ومنه قراءة المعوذتين، وقراءة بعض الأوراد الخاصة المختصرة" (٤).

وهذا غيض من فيض مما تواطأ على تقريره العلماء.

فعلى المسلم أن يجمع في التحصن والتداوي من الأمراض والآفات والشرور بين الأسباب المادية والمعنوية التي جاءت بها الشريعة قدر طاقته، ولا يهمل سببًا مع إمكانه الأخذ به، فمن فعل ذلك فحري به أن يدفع الله عنه البلاء فلا يصيبه، أو يرفعه عنه إن نزل به، ثم يفوض أمره بعد ذلك إلى لله تعالى، فإن الأخذ بهذه وهذه من تمام التوكل الصحيح، ولو لم يجنِ المسلم من ذلك إلا طمأنينة القلب وراحة النفس وإحياء السنة لكفى بها نعمة.

التحصينات الشرعية المعنوية الإلهية:

والآن إليك جملة من التحصينات الإلهية المختصرة من الأذكار والأدعية والأعمال الصالحة، للوقاية من الأمراض والمكاره أيّا كانت.

مع العلم أن النصوص الواردة في ذلك بعضها صريح الدلالة في الحفظ من الشرور بصفة عامة، وبعضها دلالته استنباطية، وقد حرصت ألا أذكر منها إلا ما كان صحيحا ومقبولا عند النقاد.

١ - التحصن برقية الدخول في الفراش للنوم ليلا.


(١) زاد المعاد (٤/ ٩).
(٢) فتح الباري (١٠/ ١٣٣).
(٣) فيض القدير (٣/ ٥١٤).
(٤) درس صوتي (٦/ ١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>