المتأمل في الحملة المنسقة التي شنها التيار العلماني الليبرالي ضد الشيخ سعد الشثري، يمكنه الخروج بنتائج عديدة مهمة في شأن الفكر والمجتمع السعودي، والمستقبل المتوقع لهذا المجتمع ومكوناته الأساسية.
ومن المناسب التذكير بأمور مهمة في هذا السياق من خلال النظر فيما أفرزته الحملة من نتائج:
الأمر الأول: أن لكل دولة ونظام أسساً مشروعية، يتم بناء التوجه عليها، ويُرسم المسار، وتتحدد الرؤى، وتوضع الأهداف. وأسس المشروعية هذه هي العمود الفقري للدولة والنظام والمحور الجوهري، وكلما بقيت أسس المشروعية ثابتة وراسخة ومتينة كان ذلك أدعى للبقاء والاستمرار، وكلما حصل التلاعب أو الاستنقاص أو المخاتلة في هذه الأسس كان ذلك مؤذناً بأمور خطيرة في المستقبل القريب أو البعيد، والناظر في قوة الدول واستمرارها أو ضعفها وزوالها يمكنه أن يدرك هذه القضية، ويدرك معها أنه ربما حصلت الإزاحة لهذه الأسس أو الانحياز عنها بسبب ضغط ما، أو لتحقيق هدف ما، أو لتجنب مشكلة معينة، أو لتحصيل مصلحة معينة، وهذا يدل على أن حسن النية المتوفر في مثل هذه الحالات هو نوع من خداع النفس، والإعذار بالنية الحسنة لا علاقة له بالنتائج المترتبة على إضعاف أسس المشروعية أو بعضها، ولعل الأخطر في هذا المجال حينما تتوجه الإرادة لإيجاد أسس للمشروعية غير تلك الأسس التي قام عليها الكيان، حينها تتضخم المشكلة، وتكون مؤذنة بانفصام اجتماعي وتضاد وتنافر يصل في حده الأقصى إلى الاحتراب والفتنة الداخلية، ويبقى في حده الأدنى مثيراً لإشكالات عامة غير منقطعة، مما يعني البقاء في دائرة الارتباك والتردد والاضطراب، وهو ما سوف يقود إلى الاستمرار في التآكل الداخلي رويداً رويداً، حتى وإن كانت القشرة الخارجية تعطي مؤشرات مطمئنة.
الأمر الثاني: أنه بالنظر إلى الوضع الداخلي للدولة السعودية والمجتمع السعودي يجد بعض المراقبين أنه قد مرّ بمراحل عديدة، منها التأسيس على أسس معينة، وجمع الشمل على هذه الأسس، ثم بقاء هذه الأسس معلناً عنها ومحترمة، مع صدع بالحرص على إبقائها بعيدة عن الازدراء والاستنقاص، فضلاً عن الاستبدال والاستعاضة، ثم حصول طفرة علمانية-في فترة من الفترات- متمثلة في اللوبي الناصري الاشتراكي العلماني الذي كانت كلمته مسموعة ورؤاه مستجاباً لها إلى حد ما، مع قدرة على التغلغل والتأثير من داخل القلعة، وعندما أدرك الأذكياء خطورة هذه اللعبة وأثرها الكبير على أسس المشروعية تمت الاستفاقة بعمل أبيض سريع أعاد الأمور إلى نصابها، وكان دور العلماء حاسماً حينها، وتم طرد حصان طروادة ومن فيه، لتأتي بعد ذلك مرحلة الاستقرار والاستمرار التي امتدت لعدة عهود، جاعلة من الدولة والمجتمع كياناً متجانساً في أمور عديدة وأحوال كثيرة، بل أعطت صورة معينة في أذهان الناس في الداخل والخارج، هذه الصورة تؤكد أصل المشروعية، وتقول بلسان المراقبين داخلياً وخارجياً بأن السعودية هي آخر القلاع التي صمدت أمام موجات التغريب والعلمنة التي اجتاحت العالم الإسلامي، وأورثت تناقضات داخلية متتالية ومتوالية