للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أيضاً: "ولا تزاحم الرجال، وينبغي أن يكون سعيها بين الصفا والمروة بالليل، كما تقدم في طوافها بالبيت، لأنه أستر وأسلم من الفتنة.

وقال بعض الشافعية: إنها إذا سعت بالليل في حال خلوة المسعى استحب لها شدة السعي في موضعه كالرجل ... ولا ترقى على الصفا ولا على المروة عند الشافعية والحنابلة، وقال المالكية تصعد إذا كان المكان خالياً، وهو مقتضى كلام الحنفية، وقول بعض الشافعية المتقدم" (١).

وقولهم: لاتقف المرأة على الصفا للدعاء إلاّ إذا خلا المكان عن مزاحمة الرجال، ويكون سنة في حقها إذا خلا المكان (٢).

ومن مراعاة بعض أمهات المؤمنين للأمر بلزوم البيوت ونبذهن الاختلاط، اكتفاؤهن بحجة الفريضة، وترك القيام للتطوع، وهذا مأثور عن زينب وسودة رضي الله عنهما، امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم لأزواجه: "هذه ثم ظهور الحصر" (٣).

خاتمة:

مما سبق نخلص إلى أن الشارع حف الحج والعمرة بأحكام تكفل منع الخلطة المحرمة ومن ذلك اشتراط المحرم، ومع ذلك ندب المرأة إلى ترك مزاحمة الرجال، واستحب لها الفقهاء لأجل ذلك ما لم يستحبوه للرجال، حتى وضع بعض الحكام ضوابط تكفل ذلك، وهذا مع بعد الفتنة عند مهوى أفئدة المسلمين، وقد كان خير جيل بمن فيهم أمهات المؤمنين ونساء الصالحين يراعين ذلك فيمتزن عن الرجال، غير أنه تبقى نسوةٍ في القديم والحديث يصدق فيهن قول الأول:

من اللائيْ لم يحججن يبغين حِسْبَةً ولكن ليقتلن البريءَ المُغَفَّلا

فعلى أخت الإسلام أن لا تغتر بهن، نسأل الله أن يصلح حال أخواتنا وأمهاتنا ونسائنا ونساء المسلمين.

وما سبق يدلك على أن من استدل على جواز الاختلاط في الجامعات بما يحدث في طواف الناس اليوم، فقد قاس مع الفارق أولاً، على أمر ليس كله مقر شرعاً، والله نسأل أن يلهم ولاة أمر المسلمين إزالة المنكرات، وأن ينجح مقاصد المصلحين الناصحين، والحمد لله رب العالمين.


(١) هداية السالك إلى المذاهب الأربعة في المناسك، لابن جماعة، ٢/ ٨٨٣ - ٨٨٤.
(٢) الفواكه الدواني ١/ ٣٥٩، وانظر المغني ٣/ ١٩٢.
(٣) حديث صحيح فقد رواه جمع من طريق زيد بن أسلم عن واقد بن أبي واقد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد خرجها من هذا الطريق الإمام أحمد في مسنده ٥/ ٢١٨ والتي تليها، وكذلك أبويعلى ٣/ ٣٢، والبيهقي في الكبرى ٤/ ٣٢٧، ٥/ ٢٢٨ وأبو داود في سننه ٢/ ١٤٠، وأرسلها عبد الرزاق عن زيد بن أسلم في مصنفه ٥/ ٨، وغيرهم وقد أعل بعض أهل العلم كالذهبي في الميزان (٧/ ١١٩) هذا الطريق بتفرد زيد بن أسلم بالرواية عن ابن أبي واقد، غير أن ابن حجر في الفتح صححها وقال: (٤/ ٧٤) " وإسناد حديث أبي واقد صحيح وأغرب المهلب فزعم أنه من وضع الرافضة .. وهو إقدام منه على رد الأحاديث الصحيحة بغير دليل"، ولعل لإعلال الذهبي لتلك الطريق وجه بيد أن الحديث صح من طريق ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وصالح وإن اختلط فإن رواية ابن أبي ذئب عنه قديمة كما قرر الحفاظ، قال ابن عدي: "لابأس إذ سمعوه منه قديماً" (الفروع لابن مفلح ١/ ٥٣٠ - ٥٣١)، وقال الهيثمي في المجمع ٣/ ٢١٤: "وفيه صالح مولى التوأمة ولكنه من رواية ابن أبي ذئب عنه وابن أبي ذئب سمع منه قبل اختلاطه"، وهو كما قال وإليه أشار الحافظ في التقريب، وهو الذي عليه الأئمة كما أشار إليه ابن عبد البر في التمهيد ٢٣/ ٣٦١، ومن هذا الطريق خرجه الإمام أحمد ٢/ ٤٤٦، و ٦/ ٣٢٤ وهو في مسند الحارث ١/ ٤٤٠، وعند الطيالسي ١/ ٢٢٩، وأبي يعلى ١٣/ ٨٠، ١٣/ ٨٨، وغيرهم، وجاء من طريق ثالث لابأس به فقد جاء من عدة أوجه عن عثمان الأخنسي عن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع عن أم سلمة كما عند أبي يعلى ١٢/ ٣١٢، والطبراني في الكبير ٢٣/ ٣١٣، وغيرهما. فالحديث صحيح إن شاء الله، وقد وثق رواته المنذري في الترغيب والترهيب ٢/ ١٣٨، وصححه الهيثمي في مجمع الزوائد ٣/ ٢١٤، وكذلك الألباني في صحيح أبي داود ١٥١٥، وقد تكلم أهل العلم في تأويله.
المصدر: موقع المسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>