[الثبات يا شعب ليبيا]
راغب السرجاني
هل نحن في حلم؟!
إن ما نراه في عالمنا العربي في هذه الأيام هو أغرب من الخيال في تصورات الكثيرين .. ولو رجعنا بأذهاننا شهرين أو أكثر قليلاً، وقبل بداية ثورة تونس من المستحيل في عُرْف المعظم أن تحدث مثل هذه الثورات المجيدة في تونس ومصر وليبيا، وأن تصاحبها ثورات أخرى في عدة بلدان عربية في آنٍ واحد.
إنني - والله - أرى رحمات ورحمات تنزل من الله الكريم على الأمة العربية في هذه الأيام .. نعم هناك آلام ومعاناة، لكن منذ متى والشعوب تتحرر دون ألم ومعاناة .. إنها سُنَّة ماضية لا خُلْفَ فيها ..
نجحت تونس ..
ونجحت مصر ..
وقريبًا ستنجح ليبيا إن شاء الله ..
في قلبي يقين بذلك .. أكاد أرى نصرها .. وأكاد أرى ذلّ القذافي وبطانته ..
أيها الشعب الليبي الحبيب ..
الثبات الثبات؛ إنما النصر صبر ساعة ..
لست وحدك يا شعب ليبيا الأصيل ..
بل كلنا نعاني معك, ويعتصر قلوبنا الألم لألمك، والحزن لحزنك، وننتظر نصرك مثلك تمامًا أو أشد .. فأنتم منا ونحن منكم، وطريقنا وطريقك واحد، وأيدينا مرفوعة إلى الله دومًا أن يُنزِل عليك السكينة، وأن يُهلِك عدوَّك وعدو المسلمين.
لقد عشنا - يا شعب ليبيا العظيم - في مصر ظروفًا مشابهة لظروفكم، ومنَّ الله علينا بأكثر مما كنا نحلم به، وما زالت أفضاله ورحماته تتنزَّل علينا، وقد أردت في هذا المقال أن أتبادل معكم بعض النصائح من واقع خبرتنا في ميدان التحرير وغيره من ميادين مصر، ومن واقع تجربتنا المشابهة لتجربتكم، وأسأل الله أن يعطيكم أفضل مما أعطانا، فهو الكريم سبحانه لا تنفد خزائنه ..
أولاً: اعلم أيها الشعب العظيم أن النصر من عند الله، وأن كل شيء بيده سبحانه، وأن طواغيت الأرض جميعًا لا يعجزون الله، ولكنه يؤخر النصر لحكمة، وإلاّ فإنه يقول للشيء كن فيكون، ونحن لا نحيط بحكمته، ولا نحصي فوائد فعله وتقديره، ولكنه - سبحانه - يُطلِعنا على طرف من حكمته في تأخير النصر؛ حتى تصح عبادتنا وتستقيم له سبحانه .. فمن حكمة تأخير النصر الاختبار للمؤمنين، فلو كان طريق النصر ناعمًا لسار فيه الخلق أجمعون، لكنه شاء - سبحانه - أن يجعله صعبًا عسيرًا طويلاً حتى يتخلف عنه المتخاذلون، فلا يبقى فيه إلا العباد الخالصون المخلصون، وعليهم سينزل نصر الله بإذنه تعالى.
ومن حكمة تأخير النصر انتقال فريق من الظالمين إلى معسكر المؤمنين، فيكونون بذلك عونًا لهم بإذن الله، ويستنقذهم الله من عقاب الظالمين، وهذا نراه كل يوم في ليبيا، حيث تتوافد مواكب الخير، ويترك الكثير من جند الظالمين مواقعهم الأولى إلى مواقع أخرى جديدة ما عهدوها قبل ذلك، وهذه رحمة بهم وبالمؤمنين. ومن حكمة تأخير النصر أن الله يُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ولعل المُطالِع لنهاية الرئيس حسني مبارك يفهم هذه الحقيقة جيدًا، وقريبا إن شاء الله سترون نهاية فاجعة للقذافي، وما الله بغافل عما يعمل الظالمون.
إنها حِكَم كثيرة من وراء تأخير النصر، لكنه في النهاية يأتي بإذن الله، ولتعلموا أن النصر لا يأتي إلا بعد أشد لحظات المجاهدة، بل يأتي عندما يصل الناس إلى حالة من الألم والفزع، يظنون فيها أن النصر لن يأتي، فعندها ينزل برحمة الله .. قال تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف: ١١٠].