للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إعادة قراءة الولاء والبراء]

إبراهيم السكران

ربيع الأول ١٤٣١هـ

قرأت للبعض مؤخراً أطروحات متعددة حول ضرورة إعادة قراءة (الولاء والبراء)، وقضايا بغض الكافر، والزوجة الكتابية، الخ الخ .. ولما تأملت في كلامهم وجدت أنهم لم يتخلوا عن (الولاء والبراء) مثقال ذرة، ولم يتغير عندهم أي شئ حول وجود (الولاء والبراء) في تصرفاتهم وسلوكهم، وإنما الذي تحول عندهم هو (أرضية الولاء والبراء) أو المبررات التي تستحق الولاء والبراء فقط.

فقد كانوا سابقاً يقولون يجب أن يبغض الإنسان كل من كفر بالله بغضاً دينياً، ثم صاروا الآن يستفظعون ذلك، لكن لو قلت لهم: إنني أحب من يعادي وطني لشنعو عليك، ولو قلت لهم: إنني أوالي أو أصافح من يعادي وطني لاعتبروا ذلك تطرفاً وتخلفاً.

فالقضية يا سادة ليست تخلٍ عن الولاء والبراء، وإنما إعادة تحديد لمن يستحق الولاء والبراء، فقد كانوا سابقاً يقولون أن "الله" هو المستحق لأن يكون الولاء والبراء على أساس القرب والبعد عنه، وصاروا الآن يقولون "الوطن" هو الذي يستحق الولاء والبراء على أساس القرب والبعد عنه.

هذه كل القضية.

فالولاء والبراء لم ينته لحظة واحدة، ولكن تحول أساس الولاء والبراء من (الله) إلى (الأرض) كما أشار تعالى فقال (وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) [الأعراف: ١٧٦] وقال تعالى (اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ) [التوبة:٣٨]

وهكذا كان فريق من الناس في عصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتعاملون مع الجهاد على أسس وطنية، لا على أسس عقدية، فهم لم يرفضو القتال، ولكن يرون القتال مبرراً على أساس الوطن لا العقيدة، كما قالوا في تحليلهم الفكري لجهاد الرسول (وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا) [الأحزاب: ١٣]

إنه مشهد يتكرر، ولكنه يتكرر بألم، حين تكون الأرض أغلى في نفوسنا من الله، فيكون الولاء والبراء والبغض والمعاداة على أساس الوطن أمراً مقبولاً، بل رقياً فكرياً، لكن الولاء والبراء والبغض والمعاداة على أساس القرب والبعد من الله؛ فهذا كله تخلف وتقوقع في قراءات ضيقة لبعض النصوص!

الأمر لا يحتاج بتاتاً كل هذه الفذلكة، لكن لأن العقيدة انهارت في النفوس، وتشبعت القلوب بالإخلاد إلى الأرض، فقد فزع البعض إلى عيون الزوجة الكتابية لعلهم يجدون بين مشاعرها عذراً لنقل ولائهم وبرائهم من (الله) جل جلاله إلى (الوطن).

القضية باختصار شديد، لو كانوا يريدون الحق؛ أن كل كافر فهو عدو لله بمجرد كفره كما قال تعالى (فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) [البقرة:٩٨]، وأخبر أنه لايحب الكافرين فقال (فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) [آل عمران:٣٢] وأخبر أنه يمقت الكافرين فقال (وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلا مَقْتًا) [فاطر:٣٩].

وعداوة المؤمن تبع لعداوة الله كما قال تعالى (إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا) [النساء:١٠١].

فكل مؤمن لابد أن يقوم في نفسه "العداوة القلبية الدينية" لكل عدو لخالقه ومولاه جل وعلا، فإن لم يجد هذه العداوة القلبية الدينية لأعداء ربه سبحانه فليبكِ على إيمانه، ولو كمل حب الله في قلبه فيستحيل أن يحب خالقه وعدو خالقه في آن واحد.

إلا إن كان المؤمن يتجرأ ويقول إن أعداء الله أحبابٌ له، فهذا شأن آخر.

أو كان المرء يقول: إن الكافر إذا لم يحاربنا فهو ليس عدو لله، وإذا حاربنا فهو عدو لله، فصارت كرامته أعظم في نفسه من كرامة الله، فهل يقول هذا عاقل؟!

<<  <  ج: ص:  >  >>