للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

["تمثيل الصحابة" مرة أخرى!]

أحمد الزهراني

السبت١٣رمضان١٤٣٢هـ

كتبت مقالاً قبل أيّام عدّة عنونته بـ "تمثيل الصحابة: امتهان الصحابة" ذكرت فيه ما هو محل اتفاق المجامع الفقهية العلمية وهو أنّ تمثيل الصحابة لا يجوز لأنّ فيه امتهان لمنزلتهم.

كنت قاسيا "أقلّ" من اللازم بحق من أفتى بجواز ذلك، وغضب مني البعض وطالبني البعض بالمناقشة العلمية لحجج المجيزين، والحقيقة أنّي لا أرى هذه المسألة من مواطن الخلاف السائغ، بل أراها نازلة دهياء أن أصبح البعض يجادل في تحريم المساس بمكانة الصحابة بأيّ طريق.

واليوم لن أدخل في نقاش تفصيلي بل أريد أن أذكّر بعض الغافلين بأمور:

الأوّل: تلك الشخصيات الّتي أفتت بالجواز ليست محل اتفاق الأمّة، حتى يغضب البعض من المساس بهم، بل بعضهم انتقلوا من الظلمة إلى النور بسبب خوضهم في هذه المسائل وشذوذهم بها فعرفهم النّاس وتناقلت فضائيات الهز والرقص فتاواهم لأنّها داعم رئيس لمجون دعار الفضاء.

والعجب لا ينقطع ممّن لا يهتز له شعرة من تناول مسائل تتعلق بمنزلة الصحابة بحجة الخلاف ثم هو يثور غضبا لشخوص لا قيمة لهم ولا وزن في جنب صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

الثاني: هؤلاء الّذين تسابقوا للقول بالجواز هم ممّن يرفعون عقيرتهم مطالبين بالفتوى الجماعية والبعد عن الفتوى الفردية في نوازل الأمّة ومسائلها الكبار، وفي مسألتنا هذه كانوا أحرص ما يكون على الانفراد في مقابل فتاوى جماعية على أكثر من مستوى وفي كافة أقطار الإسلام ومن أكبر المجامع العلمية والفقهية، يا للعجب.

الثالث: أحد المفتين بالجواز مشهور بالحفظ، وقد أزعجنا أنصار شذوذاته كلما أنكرنا شيئا منها استطالوا علينا بأنّه الحافظ الألمعي الذي يحفظ آلاف الأبيات والمنظومات والنصوص ووو .. أقول: لديّ قرص صلب يحفظ أكثر منه، والحفظ ميزة شخصية تُشكر لصاحبها لكن لا علاقة لها بالفقه والعلم والتسديد في الفتوى.

العلم والفقه كما قال ابن مسعود ليس بكثرة الحفظ وإنّما هو نور يقذفه الله في القلب، وقد علمنا أئمة السنة والفقه والشريعة الّذين اتفقت كلمة الأمة على فضلهم وما أعطاهم الله من البصير اتفقوا على تحريم تمثيل الصحابة فبهم يوزن العلم والصواب إن كان ولا بد لا بكثرة المحفوظ!

رابعاً: من المهم تذكير الجميع أنّ صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليسوا مجرد أشخاص تاريخيين تُعرض حياتهم، بل لهم خصائص لا يشاركهم فيها أحد:

منها أنّهم حملة الدين ونقلته وامتهانهم والتقليل من شأنهم همز وغمز في ما يحملون.

أنّ حياتهم وأقوالهم إنّما هي تطبيق للشريعة أو أقوال شرعية مُحتج بها وكذلك أفعالهم، فأيّ حركة أو قول أو فعل يدرج في القصة محل التمثيل ستصبح دينا وسنة خاصة كبارهم وفقهاؤهم. فمن أين لفريق التمثيل الحصول على كل تلك الدقائق التفصيلية إلاّ بالكذب عليهم، وكم من أمر هو مباح في حقنا كان بعض الصحابة يراه جرما ويبتعد عنه فكيف نكذب عليهم بأمور لا يمكن الحصول عليها إلاّ برجم من الغيب.

ومنها أنّ أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هم حماه وحريمه، فالتساهل في تمثيلهم يعني الوصول إلى القول بجواز تمثيل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولا أراه يقول بذلك إلاّ زنديق.

فتسويغ تمثيل الصحابة هو في حقيقة الأمر اختراق خطير يفضي بلا ريب إلى تمثيله وتجسيده نعوذ بالله.

<<  <  ج: ص:  >  >>