للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهؤلاء الذين أفتوى بجواز تمثيل الصحابة رضي الله عنهم وبعدم جواز تمثيل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لا يمكن لهم أن يأتوا بفرق واحد مؤثر يفرقون به بين تمثيل الصحابة وتمثيل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فكل حجّة يحتجون بها على تجويز تمثيلهم هي حجة لمن يريد تمثيل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بلا فرق.

خامساً: رحم الله الإمام مالك، النجم الفقيه المستنير بنور الله، عندما هم المهدي أن يعيد الكعبة على ما بناها ابن الزبير مثلما سمعه من عائشة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، واستشار الإمام مالك بن أنس في ذلك، قال له: «إني أكره أن يتخذها الملوك لعبة»، - يعني يتلاعبون في بنائها بحسب آرائهم - فهذا يرى رأي ابن الزبير، وهذا يرى رأي عبد الملك بن مروان، وهذا يرى رأيا آخر، فمنع مالك مما هو حق في نفسه درءا لمفسدة أعظم.

ولو كان لدى فقهاء الفن المعاصر الذين أجازوا تمثيل حياة أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عشر معشار ما عند مالك من الفقه لقالوا كما قال مالك، فلو كان في تمثيل الصحابة ما فيه من مصلحة موهومة خيّلها لهم هوامير الفن الهابط وملاك قنوات السخرية بالسنة والشريعة، لكان ما في فتح الباب لتمثيلهم من مفسدة اتخاذهم لعبة بيد أهل الفن والطرب والمال مانعا لهم من الإفتاء بالجواز، كلّما عنّ لمجرم أن يزوّر أو يمرّر ما يريد أنتج عملاً فنيا لواحد من الصحابة ثمّ كذب كما يحلو له واستخف كما يحلو له، ونصبح لا هم لنا إلاّ تصحيح أخطاء الفنانين والفنانات والمخرجين والمخرجات الأحياء منهم والأموات.

أخيراً أقول: والله إنّنا لسنا عاجزين عن النقاش الفقهي، لكن يحز في أنفسنا أن تتحوّل ثوابتنا وقيمنا العظمى لعبة بيد "أصدقاء الضّوء"، وإلاّ فإنّ تمثيل الصحابة يصدق فيه ما كان ابن حزم يردّده في القياس: «القياس كله باطل، ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل» ونحن نقول: لو كان التمثيل حقا لكان تجسيد الصحابة وتمثيلهم منه عين الباطل.

<<  <  ج: ص:  >  >>