المتغيرات تتلاحق، والضغوط بشتى صورها تتابع، والنفوس البشرية يعتريها الضعف والفتور، واستملاح الدّعة والترهل، والتنصل من تبعات الدعوة والنكوص عن مدافعة الشهوات والشبهات ..
هذا الواقع الرديء صار مرتعاً خصباً لظهور مسلك أبلق، لا أبيض ولا أسود، هو أنموذج للتلوّن، والمحافظة على " طرائق التذبذب "، فأصحاب هذا المسلك لديهم من الديانة والعقل ما يحفظهم من الانحدار إلى غثاثة التزلف، والتصنع والنفاق، وهم في نفس الوقت لديهم من " الحسابات " و"القناعات". ما يجعلهم في عافية عن المواقف الواضحة! وفي منأى عن الاحتساب والمدافعة ..
هذا المسلك يتحرى أن لا يقلق الأنظمة والحكومات، إذ يمكنه أن يقدِّم الدين والسنة بما لا يزعج ولايقلق الحكومة.
ومن مقاصد هذا المسلك: ملاينة أهل البدع، والاعتذار لأهل الأهواء، والتكلّف في تبرير شكهم وشطحهم .. كما أن أرباب هذا المسلك يلوكون ألفاظاً حادثة ومصطلحات جديدة كالحوار والإنسانية والمصلحة الوطنية .. وآخرها محاربة الطائفية .. وفي نفس الوقت يتوارى أحدهم عن اللغة الشرعية والمصطلحات الدينية والنبوية .. فإذا تحدث أحدهم فلا تدري أهو محلل سياسي - فاته القطار - أم ناشط حقوقي - أخطأه الصواب!
أما تخصصه الشرعي فقد غيّبه مُجاراةً للعصر ومواكبة للتطور! وأما عن مدافعة المنكرات المتوالية .. فقد يلوذ أصحاب هذا المسلك بالصمت متدثرين بالتعقل وبعد النظر، وإظهار الرزانة والثقل.
بعد هذه المقدمة ندلف إلى مناقشة مقال كتبه الشيخ الدكتور / حاتم العوني بعنوان طويل:(إذا أصبح حرسُ الحدود الطائفية يمارسون وظيفة حرس الحدود بين الإسلام والفكر) في ملحق الرسالة في جريدة المدينة الخميس ١٣/ ٢ / ١٤٣١ هـ.- استهل الشريفُ مقاله بالتحذير من" الإحتقان الطائفي" .. و"التأزم الطائفي" .. وكان المتعيّن ابتداءً أن يحرر مصطلح (الطائفية) وما فيه من الإجمال وأن يُعنى بالتعرّف على ملابسات هذا المصطلح وظروف نشأته، دون هذا الانسياق في التحذير منه بإطلاق، ومجانبة التبعية والمجاراة للواقع السياسي والأمني بعُجَره وبُجَره، ففي الآونة الأخيرة برزت مصطلحات وافدة كإنسانية ووطنية .. ومعالجة الطائفية .. ثم إن بعض المتمشيخة يرفعون عقيرتهم بهذه العبارات بل ربما كانوا أكثر حماساً واندفاعاً من دعاة الإنسانية والوطنية أنفسهم!
- إنها انهزامية مكرورة، قد يكون باعثها مجاملة الواقع الحاضر، وإظهار الدراية ... بقضايا العصر، وحتى لا يتهم الشيخ بالجهل أو ضيق الأفق ..
ثم ينجرف هؤلاء المتمشيخة في نفق هذه المصطلحات بحلوها ومرها وزيفها وبريقها.