لماذا فشلت الليبرالية العربيَّة ... ؟
عائض الدوسري
١٥ذي القعدة١٤٣١هـ
في البدء قالت .. "كيركبا تريك" المستشارة في إدارة الرئيس "ريغان" وممثلة أمريكا في الأمم المتحدة، تؤكد أن الديمقراطية مجرد لعبة لتحقيق مصالح الغرب، وأن قيم الغرب وسياساته خاضعة للعبة المعايير المزدوجة .. تقول:
(إنه ينبغي علينا عدم تشجيع الديمقراطية في وقت تكون فيه الحكومة المؤيدة من قبلنا تصارع أعداءها من أجل البقاء، وإن الإصلاحات المقترحة بعد ذلك لا بد أن يكون منها إحداث التغيير، وليس إقامة ديمقراطية).
تساؤل عقلي مشروع يطوف في أذهان بعض الإسلاميين والعلمانيين العرب: لماذا فشلت الليبرالية العربيَّة؟
وجواب هذا التساؤل معلق على جواب تساؤل آخر: فهل يوجد أصلاً ليبرالية عربية حقيقية؟!
هنا جوهر المشكلة لأن بعض الإسلاميين وخصومهم يخلطون بين العلمانية وبين الليبرالية، فلا يلزم من كون الإنسان علمانياً أن يكون ليبرالياً، إذ العلمانية موقف أيديولوجي فكري من الدين أو النص أو المقدس، فالعلماني قد يكون ديكتاتورياً -وهذا الغالب- وقد يتحالف مع الشيطان، ومع الديكتاتور، ومع أي جهة كانت، ما دامت تساعده في إدارة رحى معركته ضد الدين أو ضد المتدينين.
لذا فلا وجود موضوعي لليبرالية عربية، ولا أدل على ذلك من غياب ممارسة حقيقية للتسامح واحترام المخالف، وغياب أي مشروع إصلاحي مدني حقيقي، ينفع المواطن العربي في عالمنا العربي المتألم!
إن سلوك العلماني العربي جعل "الليبرالية" كلمة مكروهة مشوهة تحتقرها الجماهير الصارخة بآلامها، لأنها تشاهد بأم أعينها خيانة النخب العلمانية العربية لهمومها وآمالها، ولا تجد من هذه النخب إلا تحالفاً وتبريراً للدكتاتور، مع أن هذه النخب المتخمة بالعلمنة تصيح صباح مساء قائلة: قدسوا الحرية كي لا يدوسكم الطغاة!
وهم كل يوم بل كل لحظة يدوسون هموم الشعوب، ويتحالفون مع الشيطان الأصغر والأكبر، كي يتمكنوا من أغراضهم الخاصة، ونزواتهم الشخصية.
العقلاء -يا سادة- مع اختلافهم وتباين توجهاتهم فإنهم قد يحترمون من يخالفهم إذا رأوه صادقاً مع نفسه ومبادئه. إن الليبرالي الذي يؤمن بمبادئه ويمارسها حقيقة، ويدافع عن كرامة الناس وحقوقهم، ويتسامح مع خصومه، ويتقبلهم، يضع له خصومه حساباً لأنهم يعلمون أنه مؤمن حقيقة بقضيته.
ومن يتأمل الصحابي الكريم "عمرو بن العاص" الذي يقول عن الروم .. ما ورد في صحيح مسلم ما قد يبيّن بعض طباع هؤلاء الناس، مع إنصافهم وعدم غمط حقهم. فقد روى مسلم عن المستورد القرشي أنه قال عند "عمرو بن العاص" رضي الله عنه:
(سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " تقوم الساعة والروم أكثر الناس ". فقال له عمرو: أبصر ما تقول. قال: أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: لئن قلت ذلك، إن فيهم لخصالاً أربعاً:
إنهم لأحلم الناس عند فتنة.
وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة.
وأوشكهم كرة بعد فرة.
وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف.
وخامسة حسنة وجميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك).
فتأملوا كلام هذا الصحابي العظيم رضي الله عنه، وكيف أنصفهم وشهد لهم بما هم أهله، مع كفرهم وعداوتهم، وتأملوا في المقابل المثقف العلماني العربي فستجدونه -في أكثر الأحيان- متسلطاً دكتاتوراً محارباً للدين في أصوله وتفاصيله، لا يهمه مسكين أو يتيم، بل سليط اللسان بذيء الألفاظ، إذا خاصم فجر، عنده كل القابلية لأن يطعن في أعراض خصومه بالبهتان، تجده يمارس أشد أنواع الإقصاء، فهو دغمائي، سادي -كما يعبرون- ليس عنده أي قابلية لأن يتسامح.
وما أجمل ما صوره النصراني العلماني (رفيق حبيب) لهذه النخبة حينما قال: