أيها الشعب الليبي العظيم، إن قناعتكم بأن النصر من عند الله هي التي ستكون سببًا في سرعة نصركم بإذن الله، ولو اعتقدتم في أعدادكم أو عُدَّتكم، أو الغرب أو الشرق، فإن النصر سيبتعد، وقد يذهب بالكلية؛ فكونوا على حذرٍ، وراقبوا قلوبكم، وأخلصوا لله، وارفعوا أيديكم له، واعتمدوا عليه، واطلبوا منه؛ فهو كاشف النصر ومزيل الهم، وهو على كل شيء قدير.
ثانيًا: أيها الشعب العظيم، وحِّد صفك، واجمع شملك، وكونوا جميعًا يدًا واحدة على الظلم .. لقد حرص الظالمون الذين حكمونا على تقسيمنا شيعًا وقبائل وفِرقًا وجماعات، ودسُّوا بيننا الضغائن، ووضعوا بعضنا عينًا على بعض، وكان هذا سبيلهم في قيادتنا ووسيلتهم في السيطرة علينا .. فإذا أردنا سبيل النجاة، فإن هذا لا يكون إلا بالوحدة، والاعتصام بحبل الله المتين .. يقول تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا} [آل عمران: ١٠٣].
فعلى قادة العشائر الليبية، وكذلك على المفكرين والعلماء والدعاة ورءوس القوم، أن يجتمعوا ليل نهار لتنظيم الصفوف الليبية في كيان واحد مواجه لهذا الطاغوت القذافي، ولننبذ أي خلاف، ولنترك كل القضايا الفرعية مهما اختلفت توجهاتنا ومدارسنا ومناهج تفكيرنا، ولنجعل لنا جميعًا هدفًا واحدًا جليًّا واضحًا، وهو إسقاط النظام الفاسد برمته، وبعدها يمكن أن نجلس مرة ثانية لنتفاهم على مستقبل ليبيا وطرق صياغته، أما الآن فلا نشتِّت أنفسنا، ولا نفرِّق جمعنا، بل نقف جميعًا في خندق واحد، وعندها سينزل نصر ربنا إن شاء الله.
ثالثًا: الظالمون ضعفاء للغاية!
هذه - والله - حقيقة غابت عنا السنوات الطوال ..
لقد غادر زين العابدين بن علي تونس في وقت كان العالم كله يظن فيه القوة، ويراه جبارًا من كبار الجبارين في الدنيا.
وتنحى حسني مبارك بعد ثمانية عشر يومًا فقط من الثورة المصرية السلمية، ولم تنفعه الأوتاد التي دقّها في أعماق أرض مصر على مدار ثلاثين سنة!
إن الظالمين في غاية الضعف! وما المتاريس التي يضعونها حولهم، وعشرات -بل مئات- الآلاف من الجنود التي يحيطون أنفسهم بهم إلا علامة على شدة جبنهم وضعفهم.
والسؤال الذي سيقفز إلى الذهن مباشرة: كيف يحكم هؤلاء الضعفاء شعوبًا كبرى لعشرات السنين؟!
والجواب أن الشعوب لا تدري مصدر قوتها، ومن ثَمَّ استطاع هذا الطاغوت الضعيف أن يتسلط على شعبٍ لا يعرف مفاتيح قوته ..
وما هي مفاتيح القوة للشعب؟
إنها في النقطتين اللتين ذكرناهما في البداية ..
قوَّة ارتباط بالله, وقوَّة وحدة في الصف ..
لو ارتبط الشعب بصدق بالله، ولو وحَّد صفه وصار يدًا واحدة في مواجهة الظالمين، فعندها ستُزلزل عروش المتكبرين وسيكتشف الأسد -الذي رُبِّي على أنه حمل وديع- أنه من أقوى الأسود، وسيفر الظالم فرار الجرذان، وإن غدًا لناظره لقريب!
رابعًا: أحيانًا يشعر الثوار أن قُواهم قد بدأت تخور، وأن عزيمتهم على وشك الانهيار .. تذكروا عندها أن عدوَّكم يعاني من مثل معاناتكم؛ فالله يقول: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} [النساء: ١٠٤].
فلو صبرتم قليلاً لانهار عدوكم قبل انهياركم، خاصةً أنكم تجاهدون من أجل حق، وهو يقاتل من أجل باطل؛ فأنتم تطلبون رضا الله بوقوفكم في وجه السلطان الجائر، وهو يطلب سخط الله بظلمه الذي زاد على أربعين سنة؛ ولذلك قال الله: {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ} [النساء: ١٠٤]. فهم لا يطمحون في جنة، ولا يبحثون عن غفران، إنما هم قوم فاسقون، عاشوا للظلم والفساد، ويريدون أن يموتوا على نفس الحال، فتعسًا لهم .. !!