للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٣. في غزوة أحد انقلب نصرنا أمام أعيننا إلى هزيمة كادت نهايتها أن تكون بمقتل رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن الله سلم، فسبب الهزيمة مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وليس قوة الأعداء ـ، وكانت في السنة الثانية للهجرة يوم السبت، ولكن ونحن مثخنون بجراح الانهزام نودينا من فوق سبع سماوات بقوله تعالى:)) وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (( .... [آل عمران: ١٣٩]. حتى ونحن في حال انهزامنا وانكسارنا نحن الأعلون بنص كتاب الله؛ لأننا ونحن منهزمون لا نزال الطائفة الوحيدة على وجه البسيطة وربوعها تقول لا إله إلا الله. ومع تلك الجراحات التي أصابت المسلمين يوم السبت يؤمروا بأن يخرجوا يوم الأحد لملاقاة المشركين في حمراء الأسد، بل زيادة في العزة لا يخرج إلا من خرج بالأمس معهم، وتحقق ما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم فلما رأى أبو سفيان هذا تراجع عن مهاجمة المدينة وقفل راجعا إلى مكة المكرمة.

٤. وعندما أحيط المسلمون بعشرة آلاف مقاتل من جُلِّ قبائل العرب واليهود، بل أحيط من خارج المدينة ومن داخلها ـ أرى أن التاريخ يعيد نفسه من جديد ـ، وانظر إلى الموقف ساعتها، قال تعالى: {إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً

شَدِيداً} .... [الأحزاب: ١٠ - ١١]. في تحالف الأشرار وقتئذ ـ كما هو الحال الآن ـ انقسم الناس إلى أقسام: قسم المنافقين ـ يمثلهم في الوقت الحاضر المنافقين والضعفاء والعملاء ـ قالوا: {وَإِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً} .... [الأحزاب: ١٢ - ١٣]. وقسم المؤمنين الثابتين الواثقين بنصر لله ـ يمثلهم في عصرنا المتفائلين العاملين في الدعوة بروح تحمل حلاوة النصر واستنشاق رياحه من قريب ـ: {وَلَمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} .... [الأحزاب: ٢٢ - ٢٣]. وقسم النبي صلى الله عليه وسلم الذي مثل أقصى حالات الشموخ في زمن الانكسار والثقة بنصر الله والتفاؤل وأجمل معاني الأمل، إذ لما استعصت الصخرة على أصحابه استدعوه فكسرها على ثلاث ضربات، كل ضربة يخرج منها برقة ويبشر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بأنه مع الضربة الأولى فتح الله لي اليمن، والضربة الثانية فتح الله لي الشام والمغرب، والضربة الثالثة فتح الله لي المشرق .... [رواه ابن إسحاق في السيرة والنسائي]، والمنافقون والمرجفون يثبطون الهمم ويحبطون الآمال: " يعدنا كنوز كسرى وقيصر ولا يقدر أحدنا أن يذهب إلى الغائط ".

<<  <  ج: ص:  >  >>