للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولاً: أيجوز في شرع الله أن يُحكم المسلمون في بلادهم بتشريع مقتَبَس عن تشريعات أوروبة الوثنية الملحدة، بل بتشريع لا يبالي واضعه: أوافق شِرعَة الإسلام أم خالفها؟ ويصرحون - ولا يستحيون - أنهم يعملون على فصل الدولة عن الدين، وأنتم ترون ذلك وتعلمون ... أفيجوز مع هذا لمسلم أن يعتنق هذا (الدين) الجديد؛ أعني: (التشريع) الجديد؟ أو يجوز لأب أن يرسل أبناءه لتعلُّم هذا واعتناقِه واعتقادِه والعملِ به، ذَكَراً كان الابن أو أنثى، عالماً كان الأب أو جاهلاً؟

وثانياً: أيجوز في شرع الله أن تذهب الفتيات في فورة الشباب إلى المدارس والجامعات، لتدرس القانون أو غيره - سواء مما يجوز تعلُّمه ومما لا يجوز - وأن يختلط الفتيان والفتيات هذا الاختلاط المعيب، الذي نراه ونسمع أخباره ونعرف أحواله.

أيجوز في شرع الله هذا السفور الفاجر الداعر، الذي تأباه الفطرة السليمة والخُلُق القويم، والذي ترفضه الأديان كافة على الرغم مما يظن الأغرار وعبََّاد الشهوات؟ يجب أن نجيب عن هذا أولاً، ثم نبحث بَعْدُ فيما وراءه؛ ألا فَلْيُجبِ العلماء وليقولوا عما يعرفون، وليبلِّغوا ما أُمروا بتبليغه، غير متوانين ولا مقصرين.

سيقول عني عبيد (النسوان) الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا: إني جامد، وإني رجعي، وما إلى ذلك من الأقاويل، ألا فَلْيقولوا ما شاؤوا، فما عبَأْت يوماً مَّا بما يقال عنِّي، ولكني قلت ما يجب أن أقول» (١).

وإنما أطلت في هذا؛ لفشوِّه اليوم بين طلبة العلم، وموافقته لشهوة الرياسة وحبِّ الظهور، وما علم المسكين (صاحب الإرجاء الفكري) أن من كذا حاله رُمِي بعد إتمام الغرض منه، وكَثُر ذامُّوه وقلَّ حامدوه أو عُدِمُوا، وأعظم من هذا: أن الله هو الذي مَدْحُه زين وذمه شين، وإذا أحب الله عبداً أمر جبريل أن يحبه فيحبه، ثم ينادي في الملائكة: أن الله يحب فلان فأحبوه، فيحبونه (٢)، و «من ابتغى رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عليه الناس، ومن ابتغى سخط الله برضا الناس سخط الله عليه وأسخط عليه الناس» (٣).

ومن تمسك بالنص الشرعي، وأذعن له فكرُه، وخضع له عقلُه، نجا من هذا الإرجاء، مع تعلُّقٍ بفهم السلف الصالح لا سواه، والبعد عن المحدَثَات الفكرية، أو محاولة تطويع الدين بما لم يأذن به الله، والعلم النظري بأننا في زمن الفتن كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «فتن كقِطَع الليل المظلم، يصبح فيها الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي كافراً ويصبح مؤمناً، يبيع دينه بعَرَض من الدنيا قليل» (٤)، ثم تطبيق هذا العلم النظري، مع دعاء الله الثبات؛ كما كان يفعل - صلى الله عليه وسلم - حينما يُكثِر من قول: «اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك» (٥)، ويسأل الله حُسْن الخاتمة.

أسأل الله لي ولك حُسْن الخاتمة.

المصدر: مجلة البيان


(١) انظر جمهرة مقالات أحمد شاكر: ٢/ ٥٩١ فما بعدها.
(٢) انظر: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، (٢٦٣٧).
(٣) انظر: سنن الترمذي، (٢٤١٤). قال الشيخ الألباني: صحيح، وصحيح ابن حبان، (٢٧٦). قال عنه الأرنؤوط: إسناده حسن.
(٤) أخرجه مسلم، (١١٨).
(٥) سنن ابن ماجة، (٣٨٣٤)، والترمذي، (٢١٤٠)،وصححه الألباني في تعليقه عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>