إن التدين باعتباره جهدا بشريا في جانب التعاطي مع الدين وتطبيقه في الحياة، يتغير ويتبدل ويتجدد، بحسب أحوال الناس وظروفهم المحيطة ووفرة القائمين بواجب الدعوة والتذكير والإرشاد والتعليم. ومن الطبيعي أن يعتريه نقص أو قصور أو خلل، لأن هذا شأن النفس الإنسانية والمجتمع البشري. ومن هنا فإن تسمية ما يحدثه الناس في واقعهم الديني بـ"التدين الجديد" أمر لا غبار عليه، وهو من باب الاصطلاح على الظواهر الجديدة؛ والمهم في الأمر هو التوصيف الموضوعي لهذا الاسم بما يتطابق مع واقعه؛ حتى لا تبنى بقية الأحكام بعيدا من الواقع وحقائق الأمور!
ولست أول من يلتفت إلى هذه الظاهرة ويسميها بهذا الاسم، فهناك من كتب عن "الدعاة الجدد" وآخرون كتبوا عن "المتدينون الجدد"، وهي في مجموعها كتابات تتطرق إلى الظاهرة من رؤى مختلفة! وتحليلات متباعدة! فماذا نقصد بـ"التدين الجديد"؟!
إن هذا المفهوم متصل بمصطلح "المتدينون الجدد" باعتبارهم النموذج المادي لهذا المفهوم! وعليه فما هي خصائص هذه الفئة من المتدينين، والتي تميزهم عن غيرهم ليحملوا هذا اللقب؟
خصائص "المتدينين الجدد":
ظهر في الفترة الأخيرة من العقد الماضي دعاة:"استطاعوا أن ينتقلوا بالأفكار الدعوية والتربوية إلى مدارات جديدة ومختلفة، ومنها إعادة عرض الأفكار الدعوية بشكل جديد، معتمدين على تقنيات حديثة، وأساليب مستحدثة، ومن هذه المشروعات المزدهرة في مصر: مدارس القرآن التي انتشرت بمنهجية متطورة وأسلوب عمل محترف، واعتماد على تقنيات جديدة، وكذلك العدد الضخم من الجمعيات الخيرية والأهلية التي تدار بمجلس إدارة أقل من الثلاثين عمرا، وبأفكار تنموية رائدة". مرجع (٣)
وانطلق أتباعهم:"نحو عمل اجتماعي شبابي لا يقول: نحن إسلاميون، بل ينخرط فيه الجميع، محجبات وغير محجبات، متمسكون بالصلاة أو غير ذلك!!، ولم يجعل هدفه التغيير الكامل لهؤلاء الأفراد، ولكن التعاون على أهداف بعينها: زيارة لملجأ أو المشاركة في إنشاء مستشفى أو غير ذلك". مرجع (١)
ومما يلاحظ على هؤلاء الأتباع وجود الهم للإسلام، لكن وكما يقول أحمد زين:"التعاطي ونمط المعيشة والتصورات تتم وفقا لنمط الحياة الغربية بصورة طاغية ولافتة، وأعتقد أن الرجوع للأحكام الفقهية يمكن أن يدين نموذجا هذا توجهه، كما أن هذه الفترة التي نحياها كفيلة من الناحية الحضارية أن تُوجه نحو أنماط أخرى من الحياة مختلفة عن هذا النموذج، كما أتصور أن التعاطي مع الأغاني والسينما -الغربية خاصة- وغير ذلك لا يُرضَى عنه فقهيا بجملته". مرجع (٤)
إنه جيل يتلقى ثقافته بنفسه عن طريق الكم الهائل من الفضائيات ومواقع الإنترنت! ويتمتع بقدر من المكانة الاجتماعية، باعتبار الطبقة التي نشأ فيها وظهر منها! كما أنه متمرد اجتماعيا نتيجة الحرية التي يتلقها في أسرته! وله علاقاته المنفتحة مع الجنس الآخر في العائلة والجيرة والدراسة والعمل! ويشكل مواقعه الخاصة على الإنترنت، والتي تجمع بين ما هو إسلامي وما هو مخالف للإسلام .. فصور مشاهير الممثلين والرياضيين والمغنيين .. إلخ، مع روابط الأغاني والموسيقى (المنتخبة)!! ويعد برامجه المتنوعة على القنوات الفضائية، وهي متأثرة إلى حد بعيد بالبرامج المختلطة الأخرى!
إنه جيل منطلق يريد تحقيق الأفكار التي اقتنع بها، ونشر الآراء التي تبناها! مستغلا الوسائل العصرية كالفضائيات والإنترنت والصحافة والمجلات! وتتوفر له كافة وسائل الترفيه والمتعة! وإمكانيات الاستقلال بأعمال خاصة! وليس عند هذا الجيل إشكالية في التعايش مع المفهوم العلماني للدين! نظرا لمفهوم "الإرجاء" الشائع في أوساطه، ولاختلاط المفاهيم والأحكام الشرعية لديه.