وكان للخطاب الشرعي دور بارز في الجامعات والتشجيع على الدراسات العليا، ولو رجع الباحث المحايد إلى الجامعات السعودية وأراد أن يحدد بداية الثورة المعرفية والثقافية فيها، واتجاه الشباب لإكمال دراساتهم العليا وتابع بدايات هذا النشاط العلمي لوجد أن الخطاب السلفي هو الذي قاد الجامعات السعودية إلى ذلك، وعند النظر إلى الرصيد العلمي الهائل الذي تم في الأقسام الشرعية والعربية ونوعيته لوجد تراثا باذخا وفكرا نيرا، كما أن الأقسام الطبيعية بكافة أنواعها وتخصصاتها المعرفية توجه لها أتباع هذا الخطاب حتى أصبح يطلق البعض على كلية الطب في جامعة الملك سعود كلية الشريعة لكثرة المتدينين من أتباع هذا الخطاب فيها.
بل إن هذه الجامعة التي أراد لها البعض أن تكون منبرا لنشر العلمانية كما كانت جامعة القاهرة أصبحت منبرا لهذا الخطاب في كافة التخصصات الأدبية والطبيعية المتنوعة.
ولو أن البعض درس باستقلالية وإنصاف الدور الريادي للخطاب السلفي من خلال التعليم والجامعات لوجد نتائج مذهلة تحققت في فترة زمنية محدودة، ولم يكن لهم القرار بصورة مستقلة ولكنهم شاركوا في هذه الجهات وقاموا بعملية الإصلاح حسب المتاح والمقدور عليه.
وقد كان الخطاب الشرعي هو المحرك الأساسي لمؤسسات المجتمع التطوعية، وحرك الناس في بذل أوقاتهم لخدمة المجتمع قربة إلى الله تعالى، فهذه أبرز المؤسسات الاغاثية والشبابية والاجتماعية والنسائية يقودها هذا الخطاب. ومن ايجابيات هذا الخطاب التركيز على أهم قضية في الفكر السياسي الإسلامي وهي قضية تحكيم الشريعة الإسلامية وبيَّن ارتباطها بأصل الدين والإيمان وأن تحكيم القانون الوضعي كفر بالله رب العالمين، وقضية تحكيم الشريعة هي أهم نقطة مركزية في الفكر السياسي الإسلامي (انظر مثلا فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم وابن باز والكتب المؤلفة في الحكم بغير ما أنزل الله ونواقض الإسلام والإيمان وغيرها)
وكان لهذا الخطاب المبارك دور إصلاحي كبير في نشر التدين والتعبد والتقوى في صفوف الشباب وانتشال أعداد كبيرة من الشباب من الشهوات المحرمة والمخدرات والضياع وغياب الهدف وجعل لهم رسالة ورؤية يسعون لتحقيقها ابتغاء مرضاة الله تعالى، فتجد الشاب في عمر الزهور يخفق قلبه بمحبة الله وتعظيمه والشوق إليه وإبعاد النفس عن الشهوات والمغريات المحرمة، وتجد هؤلاء الشباب يحرصون على تعرف حال أمتهم لإنقاذها من تخلفها في عزيمة لا تجدها عند بقية الشباب الذين لم يستوعبهم هذا الخطاب لقلة الإمكانات وكثرة الاحتياج.
إن المراقب صاحب النية الصادقة سوف يذهل للخدمات والتضحيات والبذل الرهيب الذي قدمه هذا الخطاب ولا يزال يقدمه خدمة لأمته في زمن ليس زمنهم، ولا هم قادته بل الأمر والقيادة بيد غيرهم. ولو نظرت إلى فترة أزمة الخليج في التسعينيات ودور هذا الخطاب في إحداث حركة الوعي السياسي والمطالبة بالحقوق العليا للأمة من منطلق إيماني تعبدي والتضحيات التي قدمت لعرفت الايجابية الكبرى التي أفاد بها هذا الخطاب أمته ودينه.
وهكذا الحال في مجال الوعظ والنصح، والتربية، والقضاء، والفتيا، وتصحيح العلوم من شوائب الانحرافات التي لحقتها، وتمييز صحيح الحديث من سقيمه (دور الشيخ الألباني كان معلما معاصرا بارزا في هذا المجال)،والمشاركة في الجهاد الصحيح ودعمه، وإحياء روح الإباء والاستبسال في الأمة، وعدم الخضوع للمستعمر.