للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحن نتذكر الحملات الإعلامية الجائرة التي يقودها التغريبيون وأتباعهم على الهيئات والتعليم، والمطالبة بضم الهيئات للدعوة والإرشاد لإزالة صفة القبض والإلزام عنها، ولما تم تشكيل لجان مستقلة بعيدة عن المذهبية التغريبية توصلت بصورة علمية إلى ضرورة إبقائها على حالها النظامي، ودعمها؛ لأنها تختلف عن الشرطة في وجود البعد العلمي والشرعي فيها، وتختلف عن الدعوة في وجود خاصية القبض والإلزام فيها، ولأنها تستند إلى قيمة دينية وأخلاقية شرعية وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وعندما يتم بحث المصالح الاجتماعية من أطراف مستقلة عن التغريب الفاسد والتنوير الفاشل، وتراعى فيه منطلقات الشريعة وقيمها فإنها ستصل إلى المصالح الحقيقية للمجتمع.

ولا تضيع المصالح والحقوق، وتمرر المشاريع المشبوهة إلا تحت غطاء الصخب، والضجيج، والضغوط الجائرة، والاتهامات، والطعن في النيات والعقليات، والكذب في عرض أفكار أهل العلم والدعوة، والانتقائية غير الواعية، وهذا ما تستعمله المذهبية الليبرالية والتنويرية لتسويق أفكارها ورؤاها وفرضها على المجتمع.

ولو وضعت قائمة أولويات المرأة السعودية للمناقشة لكانت قيادة السيارة من آخر القضايا، وهي في الإصلاح المجتمعي أقلها أهمية ولكن الفكر المتحرر حولها لحق مسلوب، وحرية مستلبة، وفضيحة اجتماعية، وعدم ثقة في المرأة .. وغيرها من الأوصاف المتطرفة، ولو سئلت المرأة عن احتياجاتها الواقعية لما كان لهذه القضية أي أهمية على قائمتها، فالقضية قضية فكرية، وصراع تياري وليس حاجة اجتماعية.

وإذا كانت هناك حاجة اجتماعية فعليّة فإن السلبية التي تمارسها الحكومة، واكتفاء العلماء بالتحريم لا توجد فيه الكفاية، وإنما الواجب على الحكومة والعلماء وأهل الرأي أن يأخذوا هذه المسألة وغيرها من المشكلات الاجتماعية مأخذ الجد؛ فيقوموا أولاً بالبحث العلمي المحايد عن مدى حاجة المرأة لقيادة السيارة، ثم وضع البيئة الأخلاقية والقيمية المناسبة، وتحديد الضوابط والقوانين المنظمة لها إن كان هناك ثمة حاجة حقيقية، والبحث المتجرد عن كل ما يصلح حال المرأة وإبعادها عن الدنس الأخلاقي، وإيقاف كل من يتخذه مطية لنشر فكره المنحرف، فلا ينبغي أن يكون الصخب والضجيج ورفع الصوت كاف في اعتبار أن هذا الأمر أو ذاك له أهمية أو أولوية، فالبحث المحايد والمتجرد هو من يثبت مدى الحاجة لها، وأفضل الحلول المحقق لمقاصد الشريعة، وأن تلتزم الدولة بواجبها نحو المجتمع بإقامة الدين وسياسة الدنيا به، فالسلبية والهروب منه لا يعالج الإشكال.

أما من يثير الصخب بحجة أن هذا حق من الحقوق الطبيعية فالمشكلة معه فكرية وليست متعلقة بالحاجة الاجتماعية الضرورية، فهو غير مقتنع بأن الأصل الشرعي هو قرار المرأة في بيتها، وينطلق من منطلق ليبرالي في ضرورة تعزيز الحرية الفردية، ومطالبه في قضايا المرأة لن تقف عند قيادة المرأة، فهناك الاختلاط في التعليم، والعمل، والحجاب، والمساواة الكاملة بالرجل وغيرها من الأفكار المنحرفة.

ولا شك أن من يطالب بقيادة المرأة للسيارة ليسوا كلهم من دعاة التغريب، فمنهم أناس طيبون صادقون انطلت عليهم خديعة الفكر الليبرالي وتوابعه التنويرية، أو ربما تكون لديه رؤية اجتهادية محترمة؛ فالمسألة ليست من مسائل الإجماع القطعي، ولكن ينبغي التفريق بين هاتين الفئتين عند البيان حفاظاً على العدل والصدق، فلا يستوي من ينطلق من منطلق شرعي اجتهادي أو مصلحي - مهما أخطأ - مع من ينطلق من منطلق فكري ليبرالي أو تنويري يعتبر قيادة المرأة المفتاح لمشروعه الفكري في المجتمع.

<<  <  ج: ص:  >  >>