للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا (التفسير السياسي) لا يقوم على أي إثبات أو برهنة علمية، فطريقتهم تقوم على ربط أي حكم أو نص شرعي بالسياسة من دون أي دلائل قاطعة، وإنما لأنه يشك - أو يريد أن يشك بالأصح - يبدأ في البحث عن أي مؤثر سياسي من دون أي يقدم على ذلك أي برهنة، وهذه الطريقة في إنكار الحقائق والطعن في الشرائع بمحض الأوهام ليست مبتكرة لهم فهي طريقة قديمة في التعامل مع محكمات الشريعة،

فهذا أحد المبتدعة القدامى يدعي أن الزنادقة قد دسوا على أهل الحديث اثنا عشر ألف حديث من حيث لا يشعرون (لاحظ ضخامة العدد)، وهو ما دفع الإمام الدارمي إلى الجواب عنه متهكماً:

(دونك أيها المعارض فأوجدنا عشرة أحاديث دلسوها على أهل العلم ... أو جرب أنت فدلس عليهم عشرة حتى تراهم كيف يردونها في نحرك) (١).

هل معنى هذا أن السياسة لا تؤثر ولا تستغل الأحكام الشرعية؟

أبداً، بل لها تأثير ولا شك في ذلك، لكن تأثيرهم لم يمسَّ أصل الشريعة ولا نصوصها ولا مذاهب الفقهاء وأصولهم؛ فالتأثير يكمن في استغلال بعض النصوص والمواقف، وربما في تقديم بعض الفقهاء لأهوائهم وشهواتهم إرضاءً للسياسة لكن ذلك لا يضر إلا من فعل، أما نصوص الشريعة وأصول الاستدلال وقواعد الفقه فقد كانت في منعة أي منعة، عن التأثر بذلك، وكل محاولة تُثبِت خلاف ذلك فإنها ما زالت عاجزة عن إقامة أي إثبات علمي سوى الاعتماد على الشك والخرص على طريقة أحدهم حين يحلل أحداث التاريخ منطلقاً من (يبدو) و (أظن) و (لا يُسْتبعَد)، ثم بعد ذلك (فتحصل يقيناً) (٢).


(١) نقض عثمان بن سعيد، ص ٤٠١.
(٢) أشير هنا وأشيد برسالة لطيفة بعنوان (التفسير السياسي للقضايا العقدية في الفكر العربي المعاصر) للأستاذ الباحث: سلطان العميري، وهي من إصدارات مركز التأصيل للدراسات والبحوث، فهي جديرة بالقراءة والاطلاع.

<<  <  ج: ص:  >  >>