ولهذا اسمحوا لي أن أكون صريحاً فأقول: إن قيادة المرأة للسيارة ليست معزولة عن بقية ملفات المرأة في مجتمعنا؛ بل هي حلقة مصطنعة من منظومة مشاريع فكرية؛ تسعى لكسر الحواجز الاجتماعية، وتهيئة بيئة مناسبة، تنطلق من خلالها الحركات النسوية؛ لخلخلة بنية المجتمع وكيانه الأسري. وأحسب أنه من السذاجة أن يستدرج بعض العلماء أو الدعاة للحديث عن الحكم الفقهي بعيداً عن أصوله وقواعده الشرعية، وسياقه الفكري والمجتمعي؛ فالمسألة أعقد من ذلك بكثير، فنحن أمام مشروع فكري، نسوي، تغريبي، يستهدف هوية المجتمع وثقافته، وقيادة المرأة للسيارة أحد مفاتيحه المرحلية الفاعلة!.
وإذا تأكد أن وراء الدعوة الجماعية لقيادة المرأة أطرافاً شيعية اختارت اليوم الذي يوافق ذكرى وفاة السيدة زينب - رضي الله عنها وأرضاها -، فهذا يكشف بعداً سياسياً وطائفياً خطيراً يتجاوز الفعل الاجتماعي، ويرمي إلى توظيف المنطلقات الأيديولوجية في إحداث شرخ غائر في كيان المجتمع!
إن الممانعين لقيادة المرأة يدركون أن هناك مشكلات حقيقية يفرضها وجود السائق الأجنبي، ويسؤوهم ذلك كثيراً، وأرى أنه من واجبنا جميعاً أن نتعاون لدرء آثاره السلبية، لكن هل قيادة المرأة ستطوي هذا الملف؟ الواقع الخليجي في دول الجوار يكشف لنا غير ذلك، وقيادة المرأة ستفتح أبواباً من المشكلات جديدة، تعمق المشكلة ولا تلغيها. ولو أننا طالبنا وزارة النقل والمواصلات بإنشاء شبكة من القطارات الداخلية والمواصلات العامة بنفس الحدة التي تطالب بقيادة المرأة، لاستطعنا أن نخفف العبء على الرجال والنساء على حدٍّ سواء.
ودعونا نكون أكثر هدوءً واتزاناً ونناقش مشكلاتنا بعقلانية ومسؤولية، بعيداً عن الانتقائية والازدواجية في الرأي، تلك الازدواجية التي تجعل بعض دعاة قيادة المرأة بنفسها بدعوى الخوف من الاختلاط بالسائق الأجنبي والاختلاء به، هم أنفسهم دعاة الاختلاط في أماكن العمل، فأي موضوعية تلك التي يتشدقون بها؟!
إن قضية قيادة المرأة قضية رأي عام، والاستخفاف بالرأي العام أو تجاوزه لن يحقق هدفاً، بل سيصنع بؤرة ساخنة من بؤر التدافع الاجتماعي، ويثير الاحتقان الشعبي، والقصور في قراءة الواقع الاجتماعي، وفهم المؤثرات الحقيقية فيه، سيدخل الجميع في أزمات تهدم ولا تبني، وتفرق ولا تجمع، وما الدعوات المضادة لقيادة المرأة للسيارة (باستخدام القوة) في بعض صفحات الفيس بوك، إلا دليلاً على ما أقول؛ فهل يعي المنادون بيوم (١٧ يونيو) ذلك؟!