الحقُّ خلافُ الباطل، ويُعرّفه الشّرعيّون بأنّه: ما مَنَحهُ الشّرعُ للنّاسِ كافّةً على السّواءِ وأَلْزَمَ كُلّا ًمِنهُم باحْتِرامِهِ وعَدَمِ الاعْتِداءِ على ما هو لِغَيْرِه. وقِيل الحقُّ: هو مَصْلحةٌ ثابِتَةٌ للفَردِ أو المجتمع أو لِكِلَيْهما يُقرِّرُها الشّارِعُ الحكيم. وقيل: هو ما اسْتَحَقّهُ الإنسانُ على وَجْهٍ يُقِرُّهُ الشَّرْعُ ويحْمِيهِ ويُمَكِّنُهُ مِنهُ ويُدافِعُ عَنه. وهناك تعريفاتٌ أُخْرَى مُشابهة .. وتُلاحِظون في جميعِ التعريفاتِ تَكرُّرَ كَلِمةِ الشّرع!! "ما مَنَحهُ الشّرعُ"" يُقرِّرُها الشّارِعُ"" على وَجْهٍ يُقِرُّهُ الشَّرْعُ" دِلالةً على أَنّ الّذي يُقرِّرُ الحقوقَ هو الدِّينُ وَحْدَه لا الفَلْسَفاتِ البشريّة، ولا المنظّماتِ الإنسانيّة، ولا القوانينَ الدّوليّة .. فإنّما هذهِ مصادرُ التّلقِّي عِنْدَ اللّيبرالييّن لا عِندَ مَن رَفعَ رأسَهُ بِشَريعَةِ الإسلام، فأَوْلَى مَن يُعرِّفُ الحقَّ هو الحقُّ تباركَ وتعالى، وأوْلَى مَن يُحِقُّ الحقَّ هو الحقُّ جلّ وعلا {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ}[الشورى: ٢٤]{وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ}[الأنفال: ٧] فدينُ الإسلام هو أنْصَفُ وأعْدَلُ مَن يَهْدي إلى الحقوق، ومن ثَمّ فإنّ الذين يُكرّرون" أنّ للمرأةِ الحقَّ في قيادَةِ السّيّارة " إنّما يُكرِّرونَ عِبارةً لا قِيمةَ لها إلاّ إذا دُعِمَتْ بِدليلٍ شرعيٍّ مَبْنيٍّ على ما يَعْتَبِرُهُ الشّرْعُ حقّاً ولا يَعْتَبِرُهُ شيئاً آخَرَ.
لقد اعتنى العُلماء: الأُصُولُيُّونَ منهم الّذين اهْتَمُّوا بِعلْمِ أُصُولِ الفِقه فنَظَرُوا في الأدلّةْ وبَحثُوا في طُرُقِ اسْتِنبَاطِ القواعِدِ الفِقهيّةِ والأحكامِ الشّرعيّة، والفقهاءُ منهم الّذينُ نَظَرُوا وما زالوا يَنظُرون في المسائلِ الفرعيّةِ العينيّة، لقد اِعْتَنى الفريقان ببيانِ الحُقُوقِ مُفْرَدَة، فَتَكَلّمَ الفُقهاءُ عن حَقِّ الشُّفْعَةِ مَثَلاً، وحَقِّ الحَضَانةِ، وحقِّ النَّفَقة، وحقِّ الحياة، وحقِّ الوَرثَة، وحقِّ الولاية، وحَقِّ التَّمَلُّك، وغيرِها مِن الحُقوق .. والأصوليُّون بَحَثُوا في الحَقِّ مِنْ حَيْثُ صاحِبُهُ، فَقَسَّمُوهُ إلى حَقٍّ للهِ، وحَقٍّ للعَبْد، وحَقٍّ مُشْتَركٍ بَيْنَهُما، أمّا حقُّ اللهِ: فهو الذي يَتَعلّقُ بِواجِباتِ العِباد تِجاهَ رّبِّهِم، بأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وأَنْ يَمْتَثِلوا أَوامِرَهُ ويَجْتَنِبوا نَواهِيِهِ بإطْلاق، هذا مِن جِهة، ومنِ جِهةٍ أُخْرَى حَقٌّ مُتعلِّقٌ بالصّالحِ العام للأُمّة مِن حُدود وحُقوق ماليّة عامّة لجميعِ الأُمّة، قال ابن تيمية في تعريفه لهذا النوع من الحقوق (هي التي ليست لقوم معينين، بل منفعتها لمطلق المسلمين) ثُمّ قال (وهي نوعان: