والثاني: الحقوق المالية) [السياسة الشرعية لابن تيمية]. وأمّا حقُّ العبد فقد بينّا طَرَفاً مِنهُ فِيما يَتعلّقُ بالدُّنيا، ويَبْقَى الحقُّ الّذي أوْجَبَهُ اللهُ على نَفْسِه، فِيما قَالَ صلى الله عليه وسلم كما في صحيحِ مُسلم ((وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لا يُعَذِّبَ مَنْ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا)) أمّا الحقُّ المشْتَرك فهو الذي لا يَسْقُطُ بِتَنازُلِ العَبْدِ عنه، كَحَدِّ القَذْفِ مَثلاً، فهو حقٌّ للعبدِ دفْعاً للعارِ عنه، وحقٌّ للهِ إخلاءً للعالم مِن الفساد. وقد بَيّنَ العُلماءُ أَنّ ما للعَبْدِ فيهِ اخْتِيار مِمّا هو حُرٌّ في فِعْلِهِ إنّما هو كذلكَ مِنْ حَيْثُ جَعَلَ اللهُ تعالى لَهُ الخِيارَ لا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مُسْتَقِلّاً بالاخْتِيار، كاخْتِيارِهِ لأنْواعِ المتنَاوَلات مِن المأْكُولاتِ والمشْرُوباتِ والملْبُوساتِ وغَيْرِها مِمّا هو حلالٌ له، فلو لم تَكُنْ حلالاً لَما كانَ له حُريّةُ الاخْتيار، فليسَ لأحدٍ أَنْ يُصَنِّفَ حقَّه بِهواه، لأنّ الحقوقَ مِنْحَةٌ مِن اللهِ تباركَ وتَعالى لِعِبادِه لا تثبُتُ إلاّ بدَليلٍ شرعيّ، ولهذا يقول الشاطبي رحمه الله (ما هو حقٌّ للعبدِ إنما ثَبَتَ كَوْنُهُ حَقّاً لهُ بإثْبَاتِ الشّرْعِ ذلكَ له، لا بِكَوْنِهِ مُسْتَحِقّاً له بحُكْمِ الأصْل) وهو سُبحانَهُ إذا أعْطَى الحُقوق فإنّه يُعْطِيها مُقَيّدةً ولا يُعْطِيها مُطْلَقة، لكي يمُكِّنَ الانسجامَ بينَ الحُقوقِ الفرديّةِ والحُقوقِ العامّةِ بلا تَضارُب، فيَسِيرُ المجْتَمَعُ على أُسُسٍ مَتِينَةٍ مُتَماسِكَة، والّذي يَمْلِكُ التّمييزَ بينَ الحقُوقِ إذا اشْتَبَهَت أو تضاربت هو العالم المجْتَهِد، قال تعالى {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}[النساء: ٨٣] قال المفسِّرون (أولو الأمْرِ هُمُ العُلماء) فتحديدُ الحقوقِ مَرْجِعُها إلى الشَّرْع، والشَّرْعُ له عُلماؤه المتخصِّصونَ الّذين يُمْكِنُهُم الفَتْوَى في كُلِّ ما اسْتَجدّ بعدَ النّظرِ في العِللِ الشّرعيّةِ وما يُحقّقُ مَقاصِدَ الشّريعةِ ويَجْلُبُ المصالِحَ ويَدرأُ المفاسِدَ عن المجتمع، بَعيداً عن ضَغْطِ العاداتِ والتّقاليد التي يُحاوِلُ العَلمانيّون وأتباعُهُم رَدُّ الرّأيَ إليها فيما يَتعلّقُ بِقيادَةِ المرأة فَيَقولون هي مُجرّدُ عادات.