النِّظامُ أو ما يُصْطلَحُ عليهِ عندَ البعضِ بالقانون، هو المصْدَرُ الثاني مِن مصادِرِ الحُقُوقِ بعدَ الشّريعة، ومِن تعريفاتِ النِّظام (هو مجموعةُ المبادئِ والتّشرِيعَاتِ الحَياتيّة والأَعْرَافِ وغَيْرِ ذَلكَ مِن الأُمُورِ التي تَقُوُمُ عليها حَياةُ الفَرْدِ، وحَياةُ المجتمعِ، وحَياةُ الدّولةِ، وبِها تُنَظِّمُ أُمُورَها في السّياسةِ، والاقتصادِ، والاجْتِماعِ، والقَضَاءِ، والعُقُوبَاتِ وغيرِها من الأمور) والنِّظامُ في دُوَلِ الكُفْر يُبْنَى على الفلسفَاتِ والرُّؤى البشريّةِ المحْضة، أمّا النِّظامُ في الدّوْلةِ الإسلاميّةِ التي تحْكُمُها الشّريعة فمَرجِعُهُ الشريعةُ، بل يُعْتَبَرُ امْتِداداً لها، وقد أمَرَت الشّريعة بالعديدِ مِن الواجِبات، ونَدَبَتْ إلى العديدِ مِن المسْتَحبّات، وكَفَلَتْ للنّاسِ العديدَ مِن الحُريّات والكماليّات (كَضمانِ الشّريعةِ للإنسانِ حقَّ التّملُّكِ مثَلاً، فلا يأتي أحدٌ يَمْنَعُهُ مِن ذلك لأنّ الشّريعةَ أباحَتْ للمُسلمِ التّصرُّفَ بِمالِهِ ومِن ذلكَ شِراءُ ما يَحِلّ، أو حقَّ التّنقُّلِ مَثلاً لأنّ الأصْلَ فيها الإباحة، والأدِلّةُ من الشّرعِ على هذا كثيرة) فَكُلُّ ما وَقَعَ تحتَ الواجبات أو المستحبات أو المباحات فهو حقٌّ مِن حقوقِ المسلم لا يَجُوزُ لأحدٍ مَنْعُه مِنه، كما إنّه لا يَصِحُّ أَنْ يَدّعيَ أحدٌ لأحدٍ حقّاً إلاّ بِدليلٍ مِن الشّرعِ أو باسْتنادٍ إلى نُصوصِ نظامٍ إسلاميٍّ مُسْتَمَدٍّ مِن الشّرع، وسِوى ذلك لا يُعَدُّ حقّاً.
الحقّ وقيادة المرأة للسيارة
إذا كُنّا قد خَلصْنا بأن الحقَّ لا يُكْتَسَبُ إلاّ بالطّريقيْن الّذيْنِ تَقدّمَ ذِكْرُهما، الشّرْعُ والنِّظام، فَلْنَعْرِضْ موضوعَ قِيادَةِ المرأةِ للسّيّارة عليْهِما.
أوّلاً نَعْرِضُهُ على الشّرْع من حيثُ أحكامُهُ فنسأل: هل هناكَ دليلٌ على وُجوبِهِ شَرْعاً؟ الجواب كلاّ!! هل هناكَ دليلٌ على اسْتِحْسانِهِ واستحبابه شَرْعاً؟ الجواب كلاّ!! هل هُناكَ دليلٌ على إباحَةِ الشّريعَةِ للمرأةِ حقَّ قِيادَةِ وسيلةِ التّنقُّلِ بِنَفْسِها؟ الجواب نعم لأنّ الأشياء والأفعال التي ليست من أمور العبادة الأصلُ فيها الإباحة، قال العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (الأصل في الأشياء عموماً الأفعال والأعيان وكل شيء الأصل فيه الحل)[القواعد الفقهية] فالأصلُ في قِيادَةِ المرأةِ وسيلةَ التّنقُّلِ الإباحة لكنْ بِشَرط، إذا تَوفّر فَلا بأس، وإن لم يَتوفَّرْ فلا يَجُوزُ لها القِيادةُ فَضْلاً عَن أَنْ يَكونَ لها حقٌّ فيها، والشّرْطُ هو أن لا يُؤدّي المباحُ إلى محذورٍ أو مُحرّم، قال ابن القيم (لا يجوز الإتيانُ بفعل يكون وسيلة إلى حرام وإن كان جائزًا)[إعلام الموقعين] فَكُلُّ مُباحٍ يؤدّي إلى مُحرّم لا يُعدُّ مُباحاً، فالسّفَرُ مَثلاً الأصلُ فيهِ الإباحة لكنْ بِشَرْطِ أَنْ لا يُؤدِّي إلى مُحرّم، فلو سافَرَ إلى بلادٍ فاسِدَةٍ لِغَرَضٍ فاسِدٍ حَرُمَ السَّفَر، وكَذلك البيع أصلُهُ مُباح، لكن إذا باع مُحرّماً، كالخَمْرِ مثلاً، أو باع سلاحاً في زَمنِ الفتنةِ، حَرُمَ البيع .. وهكذا ... ، فهل في قيادةِ المرأةِ للسيّارةِ محذورٌ شرعيّ ينقل الحكم من الإباحةِ إلى التحريم؟