للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد ضَمِنَتِ الشّريعةُ للمرأةِ الخروجَ لِقضاءِ حاجاتِها، فلا تُمْنَعُ مِن ذلك، وضَمِنَت لها حُريّةَ التّنقُّلِ فلا تُمْنَعُ مِن ذلكَ أيضاً إلاّ بسَببٍ شَرْعيّ طارئ كَعَدَمِ وُجودِ المحرَمِ إذا كان التّنقُّلُ سَفراً، أو لِكَوْنِها مُعْتَدّةً، أو لِغَيرِها مِن المحاذيرِ الشّرعيّة، وإذا تَناوَلْنا مسألةَ مُباشَرةِ المرأةِ قِيادَةَ السيّارَةِ بِنَفْسِها وطبّقْنا عليها هذا المبدأَ الشّرْعيّ فإنّه لا يَجوزُ لها ذلك إلاّ مع خُلُوِّ المحذورِ الشّرعيّ، والذي يقدِّرُ المحذور هو عالم الشريعة، والمحاذيرُ في هذه المسألةِ كثيرةٌ، ويَكْفي مِنها ما ذُكِرَ في فَتْوَى كِبارِ العُلماءِ في هذهِ المسألَةِ، كاسْتِمراءِ نَزْعِ الحِجابِ شَيئاً فَشيئاً، وكَذَهابِ الحَياء مع كَثرَةِ المخالطة، وكتَعرُّضِ المرأةِ للسُّفهاءِ من المراهقين وسِفْلَةِ النّاس حينَ الوُقُوفِ عِندَ إشارَاتِ المرور، وحين الوقوف عند محطّاتِ البنزين، وحين الوُقُوف عِندَ نُقَطِ التّفْتيش، وحين الوُقُوف عِندَ رِجَالِ المرُور عِندَ التّحقيِق في مخُالفةٍ أو حادِث، وحين الوُقُوفِ لِتغييرِ إطارِ السّيّارَةِ، أو لِمِلءِ إطَارِ السّيارةِ بالهواء عندَ محلِّ التّصليح، وحين الوُقُوفِ عِندَ خَللٍ يَقَعُ في السّيارةِ في أَثْناءِ الطّريق، عدا عن الازدحام وغيرِها مِن المحاذيرِ التي تُغلِّبُ المفاسِدَ على المصالِحِ بِشَكْلٍ كبير، فإذا انْتَفَت تلكَ المحاذير، كما هو الشّأنُ في الباديةِ والأماكِنِ المعزولَةِ، حلَّ للمرأةِ القِيادَة، فلا أحَدَ يَقولُ بِتَحْريمِ مُجرَّدِ قِيادَةِ المرأة للسّيّارة. إذنْ فالشّرْعُ لا يُبيحُ قِيادَةَ المرأة للسّيّارَةِ في المدينَةِ دَرْءاً لتلكَ المفاسد، فانْتَفَى بذلك حقُّها الشّرعيّ.

ثانياً: لو عَرَضْنا موضوع قِيادَةِ المرأة للسّيّارَةِ على المصْدَرِ الثّاني مِن مصادِرِ اكِتِسابِ الحقّ وهو النِّظام، فهل لها حقٌّ نِظاميّ؟

لقد سبق وبيّنا أنّ النِّظامَ المعتبرَ في الدّولةِ المسلمة مَرجِعُهُ الشّرع ويُعْتَبَرُ امْتِداداً له، وما سوى ذلك ليس له اعتبارٌ شرعيّ، وإذا تبيّنَ أَنّ النِّظامَ في المملكةِ أيضاً لا يَسْمَحُ للمرأةِ بِقِيادَةِ السّيّارة، فصار الشّرْعُ والنّظامُ كلاهُما لا يُعْطيانها الحقّ، فَمِنَ أيْنَ اكْتَسَبَتْ حقَّ القِيادَةِ الذي تطالبُ به إذن؟ وكيف تدّعي حقّاً وهميّاً لا حقيقةَ له؟ ولو قُلنا بِصحّةِ هذا الحقِّ الّذي لا أصْلَ له فإنّنا سَنفْتَحُ باباً واسعاً للمطالباتِ الوهميّةِ لا سبيلَ إلى إغلاقه، فللمرأةِ أن تُطالبَ بحقِّها في السُّفور، وللمرأةِ أن تُطالبَ بحقِّها في السَّفَرِ لِوحْدِها دُونَ محرم، وللمرأةِ أَن تُطالب بحقِّها في المشاركة في الألعاب الأولمبية، .. إلى آخره ..

<<  <  ج: ص:  >  >>