للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - ونحن بحاجة كذلك إلى اللغة التي لا تستغرق في مشكلات البيئة التي يعيش فيها المتحدث؛ بل تتجاوزها إلى مراعاة المشكلات التي يعاني منها المسلمون في بلدان أخرى إسلامية وغير إسلامية، وإن تسميتنا لفقه بعض هذه البلدان بـ (فقه الأقليات) ربما أشعرتنا أحياناً بجعل هذا الفقه على هامش الاهتمام والعناية، لكن الواقع اليوم يثبت أن مسائل هذه الأطراف لم تعد تعني (أقلية) في قطر معيَّن، بل إنها تعني في بلدان أخرى (أكثرية) لكنها محكومة بنظام غير إسلامي ويتعرض أهلها للمشكلات نفسها التي تتعرض لها الأقليات في بلدان أخرى، ثم إننا عندما نغض الطرف عن مقارنتهم بغيرهم فإنهم لم يعودوا (أقلية) بل أصبحت الأرقام تتحدث عنهم بلغة الملايين، ثم إن هذه الأقلية أصبحت مندمجة بصورة غير مباشرة مع الآخرين، فأصبحتَ لا تكاد تستمع لبرنامج مباشر يتلقى فيه الفقيه أسئلة من هنا أو هناك إلا وتجد عدداً من المشاركات التي تأتي من تلك البلدان؛ لتسأل وتستفسر عن مشكلاتها، بل ربما تستشكل بعضَ الأجوبة التي لا تراعي أحوالها.

تجديد معارف الفقيه:

الفقيه الجديد ينبغي أن يُدْخَل في إعداده وتكوينه مجموعة من المعارف التي تطلبتها التحولات الكبيرة التي يشهدها واقعه، وقبل أن أدخل في دائرة هذه المعارف فإننا لا نريد أن نحوِّل الفقيه الجديد إلى رجل أسطورة تجتمع فيه كافة التخصصات والمعارف، بل كل الذي نريده أن ننظر إلى تلك المعارف بقدر من الاعتدال بين دعوات تدعو أن يكون الفقيه موسوعي المعرفة، وبين دعوات أخرى تريد أن تهمِّش الفقيه حتى تُفقدَه دورَه الإصلاحي بحجة عدم إدراكه لما يتحدث عنه.

إن هذه المعارف ستساعد الفقيه على استيعاب عمق المسائل المطروحة عليه؛ فيُميِّز بين تلك المسائل التي يحتاج إلى تحويلها إلى المتخصصين في مجالها، وبين تلك المسائل التي يمكن للفقيه بما يملكه من معارف ضرورية أن يتحدث حولها.

كما أن المقصود من إدراك هذه المعارف، هو إدراك القَدْر الأساسي الذي لا يسعه جهله، وليس المراد المعرفة الشاملة التي يحتاجها المتخصصون.

فعندما يتحدث الفقيه عن مسألة الربا، ويُبيِّن شيئاً من آثارها، فلا بد أن يكون على دراية بالقدر الأساسي من المعرفة بنظام الاقتصاد الدولي الحديث ونحو ذلك من معارف الاقتصاد الأساسية.

كما أن الواقع المعاصر أصبح يفرض على فقيه اليوم - وبشكل متزايد - واجبات أكبر من واجبات الفقيه السابق؛ فإن كثيراً من الناس مهما تحدثنا معهم عن اختلاف التخصصات، واختلاف الأدوار، فلا يزال عند شريحة كبيرة منهم نوع من التمسك بالتوجيه الذي يتلقاه من الفقيه، ومن أكبر أسباب ذلك البعد الديني الذي يحتاجه السائل في حل بعض هذه المشكلات، ومن ثَمَّ فلم يعد بوسع الفقيه اليوم أن يتجنب التوجيه الاجتماعي الرشيد وهو يجيب المستفتي - مثلاً - حول مسألة الطلاق أو اللعان؛ لأن كثيراً من الناس اليوم عندما يسألون قد لا يطلبون من الفقيه فقط بيان الحكم الشرعي للطلاق الذي هو داخل دائرة اختصاصه، بل إنهم يسألونه ليرشدهم كذلك كيف يواجهون مشكلاتهم التي تقودهم إلى الطلاق؟ وهذه وظيفة أخرى ليست داخلة تحت دائرة اختصاصه، وهذا يعني أنه قد أضيف له دور آخر غير دور الإفتاء المجرد.

وإن السائل الذي يأتي ليسأل حول بعض المسائل التي تتعلق بالوسوسة في أداء العبادات تتطلب من الفقيه أن يدرك بعض أساسيات التعامل مع مرض الوسوسة ويمكنه بعد ذلك أن يوجه السائل إلى متخصص في هذا المجال.

فهل سنضيف لمعارف الفقيه الجديد قدراً - ولو متواضعاً - من بعض الأسس التربوية والنفسية في التعامل مع مشكلات الحياة، كالمشكلات الزوجية وغيرها؛ من التي كثيراً ما تتردد على ألسنة الناس؟

<<  <  ج: ص:  >  >>