خامساً: نحسب أن الشعب التونسي الغيور على دينه قادر بعون الله - تعالى - على أن يقدم أنموذجاً راقياً في الاحتجاج السلمي، والإنكار بحكمة وروية، والتعبير عن رأيه بهدوء وتوازن، مترفعاً عن اللجاج واللغط وسفساف الأمور، ونائياً بخطابه الإسلامي وبرامجه الدعوية عن المناكفات الحزبية والصراعات الشخصية، فمقدسات الأمة أجلّ من ذلك كله وأسمى، وينبغي أن يظل الشعب التونسي المسلم معتصماً بقول الحق - جلَّ شأنه -: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: ٦٣]، وقوله - تبارك وتعالى - {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: ٧٢]. كما نحسب أن الشعب التونسي المسلم يدرك أبعاد ومرامي تلك الفقاعات الإعلامية المصطنعة، ولذا فهي دعوة لضبط النفس، والتحكم بردود الأفعال، وأن يكون واعيا لمحاولات الاستدراج التي تتقصد استفزاز الشباب ودفعه إلى العنف وإسقاطه في شَرَك الفوضى والاحتراب الداخلي؛ من أجل أن يكون ذلك مسوغاً أمام الرأي العام المحلي والدولي للتراجع عن استحقاقات المرحلة التاريخية التي تمر بها البلاد. ولاشك أن التشنج في المواقف، والتسرع في ردود الأفعال لن ينصر حقاً ولن يدفع باطلاً، بل قد يجر إلى مفاسد أعظم، والنظر في مآلات الأفعال والأقوال علامة من علامات الوعي والنضج؛ فالشريعة المطهرة جاءت لتحقيق المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها، ولهذا نوصي الشباب وعامة الشعب بالرجوع إلى علمائهم الربانيين، والتشاور مع شيوخهم الثقات، والتواصل مع علماء الأمة والتعبير عن آرائهم برؤية شرعية ملتزمة هدي الكتاب والسنة.
سادساً: نوصي إخواننا في تونس من جميع الاتجاهات الإسلامية بتقوى الله - عز وجل - والاعتصام بحبله المتين، والسعي الحثيث لتحقيق أكبر قدر ممكن من التعاون والتكامل، وإحياء فقه النصيحة والتواصي بالحق، والبعد عن الاختلاف والتنازع والتشرذم، امتثالاً لقول الحق - جل وعلا -: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: ٤٦] , وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم)) متفق عليه , وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: «الخلاف شر» رواه البخاري فالمرحلة التاريخية التي تمر بها البلاد تتطلب صدقاً مع الله - تعالى -، وتجرداً من الأهواء، وأفقاً واسعاً يتجاوز المكاسب الحزبية والتطلعات الشخصية؛ فالمعركة التي حمي وطيسها لا تستهدف فصيلاً أو تياراً بعينه، وإنما تستهدف الإسلام نفسه، وها أنتم ترون كيف تواطأت الاتجاهات اللائكية في الداخل والخارج لتحقيق ذلك، فعليكم بالاجتماع والائتلاف وإياكم والفرقة والاختلاف.
سابعا: لن يحل مشكلات الأمة إلا بالسعي الجاد الحكيم لتحكيم كتاب الله وسنة رسوله وتطبيق شرعه وفق منهج أهل السنة والجماعة، وذلك بروية وحكمة {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: ٢٦٩].
أخيراً: نذكر إخواننا في تونس المسلمة ونحن في مطلع هذا الشهر الكريم بضرورة الأوبة الصادقة إلى دين الله، والمسارعة إلى التطهر من أدران الذنوب كبيرها وصغيرها، واستثمار هذه الأيام المباركة بتطهير النفوس من رين المعاصي ورجس الآثام. ونوصي إخواننا الأئمة والدعاة باغتنام إقبال الناس على الطاعات وتذكيرهم بالله -عز وجل- والرفق بهم، واللين في دعوتهم، وسعة الصدر في تصحيح أحوالهم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه باليسر والسماحة في تبليغ الدين، ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً وأبا موسى رضي الله عنهما أوصاهما قائلاً: ((يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا)) رواه مسلم، وكما وصف النبي صلى الله عليه وسلم نفسه الزكية بقوله: ((إن الله لم يبعثني معنفاً ولا متعنتاً، ولكن بعثني معلماً ميسراً)) رواه مسلم.
نسأل الله - تعالى - أن يجعل لأشقائنا في تونس الحبيبة نصيباً وافراً من التزام هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يعز الإسلام والمسلمين، وأن ينصر هذا الدين، وأن يرد عن أهله شر الأشرار وكيد الفجار. وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه وسلم
رابطة علماء المسلمين
الخميس ٢٧/شعبان/١٤٣٢هـ
الموقعون:
الأمين الحاج محمد أحمد رئيس الرابطة، السودان
د. عبدالرحمن المحمود، نائب رئيس الرابطة، السعودية
محمد سيديا (النووي)، نائب رئيس الرابطة، موريتانيا
أ. د ناصر بن سليمان العمر، أمين عام الرابطة، السعودية
د. عبد العزيز التركي، مساعد أمين الرابطة، السعودية
د. عبدالمحسن زبن المطيري، مساعد أمين الرابطة، الكويت