وإذا ما استثنينا بروز شكل من أشكال هذا الاتجاه على المستوى الرسمي، فيمكن أن نطلق على الليبراليين في مرحلة ما قبل ١١ أحداث سبتمبر، اسم (الأقلية الصامتة)، حيث اتسمت هذه المرحلة بالصمت و (الكمون). أما بعد الأحداث، فقد صاروا (الأقلية الناطقة)، وهي مرحلة النطق والاستعلاء.
وفي هذا المرحلة تحديدا، استفاد الاتجاه الليبرالي من الأجواء المحتقنة التي خلقتها المشاريع الأمريكية لمكافحة ما يسمى (الإرهاب)، فأصبحوا طرفا رئيسا في المعادلة تحت مضلة (مكافحة الإرهاب) و (مشروع الإصلاح)، مستفيدين من الرعاية الأمريكية لهم على المسرح السياسي، ومن انكماش الأصوات الغيورة خوفا من أن تنعت بـ (الإرهاب).
وفي هذا المناخ لم يبال الليبراليون بحجم وضعهم في خريطة المكونات السياسية بالمملكة، فجردوا أقلامهم مستعلين على تلك الخريطة برمتها، وخاضوا (إلى يومنا هذا) معارك شرسة على مستوى الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب، جسدت في نظر خصومهم الاستعلاء على الدين والقيم والثوابت والخصوصيات، وهو ما تجلى على صفحات الجرائد تحديدا في جدالات طويلة وردود تتنقل إلى الإعلام المرئي والمسموع، خاضها علماء ولأول مرة مع خريجي جامعات تكساس وكاليفورنيا.
وبرغم استحواذ الليبراليين (الأقلية الناطقة) على نصيب الأسد في الإعلام، فالمتابعون للشأن يقررون أن منهجية الاستعلاء التي تبناها الاتجاه الليبرالي، زادت من عزلته في المجتمع، وانكشفت في خضمها حقائق خطيرة عن هذا الاتجاه، زل بها لسانه، عن الدين والمجتمع والقيم.
وهذا في حد ذاته ولًّد شعورا بالنقمة على (التيار الديني)، كما ينعته الليبراليون. ومن تجليات تلك النقمة، وضع كافة رموز هذا التيار من دعاة وعلماء ومصلحين ومناشط ومدارس دعوية ومناهج تعليمية في سلة واحدة، هي سلة الإرهاب والتحريض عليه.
وإذا أخذنا الدكتور سلمان العودة، كأنموذج وواحد من الدعاة الفاعلين على الساحة، سنجد موقفه واضحا من دعوى التحريض التي يدعيها اللبراليون على التيار الديني والمناهج وما إلى ذلك، فقد قال في مقال له بعنوان (حوار أم تصادم) ما نصه: "وأجد أنه بسبب أحداث العنف التي تشهدها البلاد، برزت أطروحات إعلامية مدعومة من بعض أطراف رسمية بصورة علنية؛ تحضّر ـ ولو بغير قصد ـ لنوع من الصدام داخل المجتمع تحت دعوى مكافحة الإرهاب، مع توسيع مصطلح الإرهاب؛ ليشمل مع العنف الأفكار المتشددة التي لا تخلق عنفًا, والاتجاهات المعتدلة التي لا تتفق مع مشربهم!! وثمة صوت جريء يُعلن الانقلاب على كثير من قيم وموروثات المجتمع، ويسعى لتمرير هذه الأجندة من خلال إدراجها ضمن مشروع ((مكافحة الإرهاب)) ".
وممن تبنى هذا الاتجاه الاستعلائي الإقصائي الأكاديمي المثير للجدل حمزة بن قبلان المزيني، والذي أصبح ينعت بمحامي التيار الليبرالي، لكثرة كتاباته وجدالاته مع العلماء والدعاة، وآرائه الجريئة بخصوص ما ينعته بتيار الصحوة عموما.
إذا أخذنا هذا الرجل كمثال، نجده يمثل حالة من الاستعلاء الليبرالي النادر، فهيئة كبار العلماء أو ما ينعته هو بـ (المؤسسة الدينية التقليدية) في نظره، مجرد حجر في طريق الإصلاح، بمفاهيمها التقليدية عن القضايا الاجتماعية، ومنها قضية المرأة كمثال.