ولو أن حركة النهضة وزعيمها جعلوا ذلك ضرورة تقتضيها المرحلة، أو أنه من باب تحقيق أرجح المصلحتين ودفع أفسد المفسدتين، لأمكن النظر في عذرهم، أمَّا أن يُجعل ذلك هو الدين وهو الإسلام الذي يرتضيه ربُّ العباد لعباده فهذا هو الظلم بعينه للشريعة، وما كان الهدف من هذه الوريقات انتقاص الحركة أو زعيمها، وهي أحوج ما تكون اليوم للمؤازرة والتثبيت على ما عندها من الحق، والتوجيه والإرشاد إلى مواطن الخلل والضلال، ولكنَّ هذه الوريقات المستهدف بها من التبست عليهم الأمور فخلطوا بين الفرح بفوز حزب إسلامي وبين صحة مساره وتوجهه.
وختاماً، هذه خلاصات لما سبق، أجملها في عشر نقاط:
١ - حركة النهضة حركة (ليبرو إسلامية) متأثرة بالطرح العلماني، وهي إحدى شبكات ما يسمى بالإسلام المعتدل الذي أوصى تقرير راند بدعم أمثاله، ووصولها للحكم في تونس ليس هو الفجر الصادق المرتقب.
٢ - الفرح بفوز حركة النهضة ونصرتها من مقتضيات الولاء للمسلم، والتخوف من مستقبل ذلك له ما يبرره، خشية أن يكون ضرر عرض الأحزاب الإسلامية للإسلام عرضًا مشوهًا باسم الإسلام، أكبر من ضرر الأحزاب العلمانية نفسها.
٣ - الغرب لا يخشى كثيراً من وصول أمثال حركة النهضة للحكم، بل قد يدعمها ليقطع الطريق على حَمَلَة الإسلام النقي من الشوائب ومن ينعتهم بالمتشددين أو المتطرفين.
٤ - الإسلامُ منهجُ حياة، وهو صالح بكليَّتِه في كل زمان ومكان، والسياسةُ جزءٌ منه، أمَّا الزعم بأنه لا يصلح في زماننا هذا -زمان الديمقراطيات- إلا ما يسمى بالإسلام السياسي، فهو زعم باطل، ووصول بعض من يتبنى ذلك اليوم للحكم ليس دليلاً على صحته.
٥ - ليس كلُّ من تمكَّنَ من الحكم بعد اضطهادٍ وظلمٍ يكون تمكينُه من جنس ما يدخل في قوله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}، حتى يأتي بشروط التمكين فيطبق شرع الله ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
٦ - حسنُ النية وسلامةُ المقصد لا يعني بالضرورة صواب العمل والمنهج، وإخواننا هؤلاء نحسبهم صادقين -والله حسيبهم-، وقد قدموا تضحياتٍ كبيرة، ولكنهم يحتاجون لإعادة توجيه بوصلتهم إلى الاتجاه الصحيح.
٧ - التأصيل الشرعي يقي مصارع الضلال، والدين الصحيح لا يقوم إلا على علم شرعي صحيح.
٨ - تثبيت المفاهيم والمبادئ في زمن الضياع والتفلت من أوجب الواجبات على العلماء والدعاة وطلاب العلم، وشدة الخوف وشدة الفرح كلاهما من مظنات فتنة الناس عن حقائق دينها.
٩ - التفاؤل بتحسُّنِ أوضاع المسلمين بعد الثورات العربية مطلوب، وعلى دعاة الإسلام اقتناص الفرص والاستفادة منها.
١٠ - لعل الله يريد خيراً ببعض الناس؛ الذين لو جاءهم الإسلام بتشريعاته، وبصرامته لربما نفروا من أوامره ونواهيه، فقد مضت عقودٌ ودولهم تحت الاستعمار، ثم عقودٌ وهي تحت الاستعباد، عاشت خلالهما الشعوب- في ظلمٍ، وجهلٍ، وفقرٍ، وطمسٍ للمفاهيم وتغييرٍ للحقائق، وتبديلٍ لشرع الله، فانتقالها من هذه الحال إلى حال أخرى توافق شرع الله يحتاج إلى مُددٍ من الزمن، فلعل في هذا حكمة وتدرجاً إلهيًا للشعوب يهيئون من خلاله لمرحلة انتقالية على وِفقِ شرع الله، فبقدر ما يفرح المسلم بسقوط تلك الأنظمة، وبقدر ما يأسف من عدم وجود البديل الشرعي المناسب للوصول إلى السلطة، بقدر ما يستبشر خيراً لمستقبل واعد، إن شاء الله.
{وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.
وصلَّى الله على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ وسلم