ولو استمعنا إلى صوت العقل والمنطق السليم فسنجد أن التوسع في عمل المرأة في ظل وجود بطالة حقيقية واسعة الانتشار وخطيرة الآثار في أوساط الشباب- أمرٌ مستهجنٌ وغير مقبولٍ، بل إن المنطق السليم يرفض حتى أن نساوي في الاهتمام بين الشباب والفتيات في توفير فرص التوظيف.
وليس معنى ذلك رفض مبدأ توظيف النساء طالما أنه يحقق احتياجاً فعلياً في المجتمع لا يُسدّ إلاّ من خلال النساء، أو كان نتيجة لاحتياجات شخصية مادية أو معنوية، أو كان على سبيل التكميل والتحسين الذي لا يُوجد ما يمنع منه ما دام أنه منضبطٌ بالضوابط الشرعية والنظامية، فلا يعرِّض المرأة للاختلاط بالرجال أو التكشف المحرم، ويتوافق مع طبيعتها، ولا يوقعها في الضرر.
إنما الذي لا أرى له ما يسوّغه موضوعياً، بل أرى أنه يختلف مع الفطرة البشرية والمنطق السليم هو المساواة في الفرص الوظيفية بين الشباب والفتيات في ظل شيوع البطالة بشكل واسع في صفوف الشباب، وأولى من ذلك بالرفض الاهتمام بتوظيف النساء على حساب الشباب.
والتوسّع غير المنضبط في فرص ومجالات عمل النساء على حساب المستحقين من الشباب، كما أنه يتعارض مع القواعد الشرعية والنظامية، فإنه كذلك لا ينسجم مع المنظومة القيمية السائدة في المجتمع السعودي، وله تبعات سلبية على التركيبة الاجتماعية، ومن أبسط تلك التبعات أن التوسع في توظيف الفتيات على حساب الشباب مع وجود معاناة واسعة في صفوف الشباب بسبب عدم توفر فرص وظيفية لهم، يزيد من المشكلات والأزمات الأخلاقية، ويفاقم من ظاهرة العنوسة التي بدأت تدق ناقوس الخطر في مجتمعنا، وأخذت تنتشر وتتوسع، مع إلحاح متزايد لضغوط المغريات والمثيرات، وتوظيف الفتاة - كما يشهد بذلك الواقع - يشغلها في كثيرٍ من الحالات عن الزواج وتكوين الأسرة، بل قد يكون سبباً في فوات قطار الزواج عليها، كما أن توظيف المرأة لا يمكِّنها من أن تفتح بيتاً زوجياً طالما أن زوجها عاطل عن العمل، ولكن على العكس من ذلك فتوظيف الشاب العاطل يسهل عليه الزواج، حتى وإن لم تُتح فرصة وظيفية لزوجته.
ومن ناحية اقتصادية فإن القول بأن عمل المرأة يساهم على الإطلاق في إنعاش الاقتصاد وزيادة الناتج القومي قول غير دقيق، إلاّ في حالة وجود عجز في الأيدي العاملة الوطنية من الرجال، واقتضت المصلحة العامة سد الاحتياج التنموي بأعداد من النساء وفق الضوابط الشرعية والنظامية في البلد، أما في واقعنا المحلي المعاصر فإطلاق هذا القول مجانبةٌ للصواب؛ لأنه لا تزال نسبة البطالة من الرجال نسبة كبيرة، ولا يسوغ عندئذٍ أن يكون اهتمامنا بتوظيف الفتيات أكثر أو يساوي اهتمامنا بالشباب، وهنا نقول إن خروج المرأة للعمل من دون اضطرارٍ ولا حاجةٍ وفي ظل وجود بطالة شبابية واسعة يحمل المجتمع أعباءً مالية واجتماعية وتربوية كبيرة لا تساوي قدر المكاسب الحاصلة من عمل المرأة.
وعلى مستوى العائد المالي الشخصي للمرأة الموظفة فإن الواقع يشهد بأن كثيراً منه يصرف في أغراض استهلاكية تُوجبها ظروف الوظيفة لا ظروف الاحتياج الشخصي للمرأة؛ فراتب الموظفة يذهب جزءٌ كبيرٌ منه في رواتب الخادمة والمربية والسائق، وفي تكاليف اللباس، وأدوات التجميل، والتي تحتاجها المرأة نظراً لخروجها اليومي، وهذه الاحتياجات لم تجب على المرأة إلاّ بسبب ظروف عملها، وما يعود على المرأة الموظفة حقيقةً قد لا يتجاوز في كثيرٍ من الحالات نصف الراتب أو أقل من ذلك، وقد لا يساوى ذلك المقابل الجهد المبذول والتضحيات التي قدمتها المرأة مقابل الوظيفة إلاّ إن كان دفعها لذلك الاضطرار الشخصي أو المجتمعي.