أي أن الدول لا تغطي عملتها المطبوعة بالذهب أو الفضة, وإنما العملات مثل الشيكات تصدرها الدولة وتلتزم بتصريفها دون أن يكون لها رصيد حقيقي, ولعل في عملة العراق مثال يوضح المسألة فقد تهاوى سعر صرف الدينار العراقي إلى قيمة تقارب الصفر بعد الحصار, ولو كان هذا الدينار مغطى بالذهب أو نائب عن الذهب والفضة لما خسر الناس أموالهم لمجرد أزمة سياسية ألمت بالبلد.
وقد تآزرت هذه الأنظمة الثلاثة لتفصم الإقتصاد الرأسمالي إلى نوعين من الاقتصاد أو الأسواق:
الأول: هو الاقتصاد الفعلي: وفيه يكون إنتاج وتسويق السلع والخدمات الفعلية.
والثاني: هو الاقتصاد المالي: وهو ما يسميه بعضهم بالاقتصاد الطفيلي القائم على الشركات المساهمة والبورصات والأسواق المالية التي يتم فيها بيع وشراء الأسهم والسندات، والبضائع دونما شرط التقابض للسلع بل تشترى وتباع مرات عدة، دون انتقالها من بائعها الأصلي، وهو نظام باطل يُعقِّد المشكلة ولا يحلها، حيث يزيد التداول وينخفض دون تقابض بل دون وجود سلع ... ، كل ذلك يشجع المضاربات والهزات في الأسواق، وهكذا تحدث الخسائر والأرباح بطرق شتى من النصب والاحتيال وقد تستمر وتستمر قبل أن تنكشف وتصبح كارثة اقتصادية.
إن هذه الأسواق المالية مصدر كبير للفقر المدقع لكثير من الفقراء, وهي أسواق تقتات على حساب المستثمرين الصغار, والجائعين والمحرومين. ومع أن حجم الأموال المتداولة فيها تقدر بـ ٩٨% مقارنة بالمال المستخدم في الاقتصادي الحقيقي والفعلي المتعلق بالإنتاج, إلا أن هذه الأموال لا ينتفع بها إلا فئة قليلة من الناس، ولا شك أن المضاربات من أهم الأسباب في الأزمات الاقتصادية الأخيرة, حتى أن سياسيي العالم انتقدوها مؤخراً وطالبوا بفرض قيود صارمة على المضاربين ومراقبة البورصات.
من ذلك ما قاله الرئيس الفرنسي ساركوزي: لقد حان الوقت لجعل الرأسمالية أخلاقية بتوجيهها إلى وظيفتها الصحيحة، وهي خدمة قوى التنمية الاقتصادية وقوى الإنتاج، والابتعاد تماما عن القوى المضاربة.
لقد جمعت المضاربات في الأسواق المالية كل مساوئ النظام الاقتصادي الرأسمالي: الفوائد الربوية, العملات الإلزامية الغير مغطاة, البيع والشراء بغير تقابض, اعتماد أساليب الغش والكذب والاحتيال والتمويه والتآمر في رفع الأسعار وتخفيضها, والمجازفة بالاعتماد على العامل الغيبي في البيع والشراء. وأما بالنسبة لنظام الربا المصرفي فإن القروض الربوية تشكل مشكلة اقتصادية كبرى، حتى إن مقدار الدين الأصلي سيتضاءل مع الزمن بالنسبة للربا المحسوب عليه، فيصبح عجز الأفراد والدول أمراً وارداً في كثير من الحالات، ما يسبب أزمة تسديد الدين، وتباطؤ عجلة الاقتصاد لعدم قدرة كثير من الطبقات الوسطى بل والكبرى عن تسديد الدين ومواكبة الإنتاج.
وأما بالنسبة لنظام النقد الإلزامي فإن النقود تُعرّف بأنها الشيء الذي اصطلح الناس على جعله ثمنا للسلع وأجرة الجهود والخدمات ٠
وقد كان النظام المعدني هو النظام السائد من قديم الزمان قبل الإسلام ولما جاء الإسلام أقر الرسول - صلى الله عليه وسلم - التعامل بالدنانير والدراهم، أي بالنظام المعدني، وجعلهما وحدهما المقياس النقدي الذي تُقاس به أثمان السلع وأجرة الجهود والخدمات ٠