للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من النَّوع الأوَّل المركَّب من حرف جر ومجروره: "عليك" بمعنى الْزم، قال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: ١٠٥]، و"عليَّ" بمعنى: أوْلِني، تقول: عليَّ زيدًا؛ أي: أولني زيدًا، و"عليه" بمعنى: ليلزمْ، ومنه الحديث: ((يا معشرَ الشَّباب، مَنِ استطاعَ منكم الباءَةَ، فليتزوجْ؛ فإنَّه أغضُّ للبصر، وأحصنُ للفرج، ومَن لم يَستطع، فعليه بالصَّوم؛ فإنَّه له وِجاءٌ)) (١)؛ قالوا: واستعماله مع ضمير الغائب كما في الحديث، وفي رواية سيبويه عن بعض العرب: "عَلَيْهِ رجلاً لَيْسَنِي" قليلٌ وشاذٌّ (٢)، ومن هذا النَّوع أيضًا: "كذاك" بمعنى: دَعْ؛ قال جرير:

يَقُلْنَ وَقَدْ تَلاَحَقَتِ الْمَطَايَا كَذَاكَ الْقَوْلَ إِنَّ عَلَيْكَ عَيْنَا (٣) ومن المركَّب من مضافٍ هو ظرف، ومضافٍ إليه: "مكانَك" بمعنى: اثبتْ، و"عندك" و"لديك" و"دونك" ومعناها: خُذْ، و"وراءك" بمعنى: تأخَّر، و"أمامك" بمعنى: تقدَّم.

القسم الثَّاني: وهو المركَّب من غير جار ومجرور "هلُمَّ" بلغة أهل الحجاز، فهي عندهم تلزم طريقةً واحدة، ولا تلحقها الضَّمائر، وبلغتهم جاء التنزيل؛ قال - تعالى -: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُم} [الأنعام: ١٥٠]، ولغة تميم إلحاق الضَّمائر بها فهي عندهم فِعل (٤).

وهي اسمُ فعل أمر بمعنى: احْضر، فتتعدَّى بنفسها كما في الآية: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُم}، وبمعنى: أَقْبِلْ، فتتعدَّى بالحرف "إلى" كما في قوله - تعالى -: {قَدْ يَعْلَمُ اللهُ المُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الأحزاب: ١٨].

واختُلِف في تركيبها؛ فقال البصريُّون: هي مركَّبة مِن "ها" التنبيه و"لُمَّ"، التي هي فعل أمر مِن "لَمَّ" بمعنى: جَمَعَ، وحذفت ألف "ها"؛ لكثرة الاستعمال (٥).

وقال الفرَّاء والكوفيون: هي مركَّبة من "هل" التي هي للزجر والحث، و"أُمَّ" بمعنى: اقصدْ، حذفت همزتها (٦)، وقيل: هي مفردة وليست مركَّبة، قاله أبو حيَّان؛ "وهو قول لا بأس به؛ إذْ الأصل البساطة، حتى يقوم دليل واضح على التركيب" (٧).

واسم الفعل الآخر المركَّب من غير جار ومجرور "حيَّهلْ"؛ قال لبيد:


(١) رواه البخاري في كتاب الصوم، (١/ ٣٢٦)، وفي كتاب النِّكاح، (٣/ ٢٣٨)، ومسلم في كتاب النكاح، (ص: ١٠١٨ - ١٠٢٠).
(٢) "الكتاب"، (١/ ١٢٦)، "الأصول"، لابن السراج، (١/ ١٤٢)، "شرح الإيضاح"، للعكبري، (ص: ٧٧٣ - ٧٧٤)، "اللباب في علل البناء والإعراب"، (١/ ٤٥٦)، "التسهيل"، لابن مالك، (ص: ٢١٢ - ٢١٣)، "ارتشاف الضَّرَب"، (٣/ ٢١٣).
(٣) "ديوان جرير"، (ص: ٤٣٩)، "الخصائص"، (٣/ ٣٧)، "ارتشاف الضَّرَب"، (٣/ ٢١٣).
(٤) "الكتاب"، (٢/ ١٥٨)، "الأصول"، (١/ ١٤٦)، "الصحاح"، (ص: ٢٠٦٠): (هلم)، "المفصل"، (ص: ١٥٢)، "ارتشاف الضَّرَب"، (٣/ ٢٠٩ - ٢١٠)، "شرح قطر النَّدى"، (ص: ٣١)، ويرى ابن جنِّي في "الخصائص"، (٣/ ٣٦ - ٣٧): أنَّها اسم فعل، وإن لحقتها الضمائر؛ لأدلة ذكرها هناك.
(٥) "الكتاب"، (٢/ ٦٧، ١٥٨)، "الأصول"، (١/ ١٤٦)، "الصحاح"، (ص: ٢٠٦٠)، وانظر مصادر الحاشية التالية.
(٦) "معاني القرآن"، للفراء، (١/ ٢٠٣)، "الخصائص"، (٣/ ٣٥ - ٣٦)، "النكت في تفسير كتاب سيبويه"، (ص: ٩٦٨ - ٩٦٩)، "المفصل"، (ص: ١٥٢)، "شرحه"، لابن يعيش، (٤/ ٤١ - ٤٢)، "شرح الكافية"، للرضي، (٢/ ٧٢ - ٧٣)، "لسان العرب"، (١٦/ ١٠٢): (هلم).
(٧) "ارتشاف الضَّرَب"، (٣/ ٢٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>