ثم قال: ولذا فإن علينا أن ندرك أننا عندما نأخذ بمبدأ المنع والرفض المطلق، فإن هذا الجدار المانع الرافض قد ينهدم بلحظة أو بأخرى، وفي الوقت ذاته يبقى الناس -لأنهم منطلقون من دائرة الرفض والمنع والتخوف- بعيدين عنه، وبالتالي لا تكون هناك مشاركة إيجابية» اهـ كلامه سدده الله تعالى ووفقه.
وهذا الكلام من فضيلة الشيخ فيه من التهوين والتسويغ للسينما ما لا يخفى، كما أنه يفت في عضد المنكرين لها، المحتسبين على أهلها، ويقوي أهل الباطل عليهم، وأظن أن هذا التبسيط المخل للموضوع نابع من عدم إدراكٍ حقيقي للفرق بين عرض الأفلام في صالة السينما وبين عرضه في شبكات التلفزة؛ إذ سوّى الشيخ بينهما، على أن انتشار التلفزة والفضائيات في أكثر البيوت لا يدل على رضا الممانعين بها، وإذا كانت الفضائيات قد تجاوزت في اختراقها للبيوت ممانعتهم سابقاً فعلى الأقل هم سجلوا مواقفهم الرافضة لهذا المنكر؛ براءة للذمة، وإعذارا للأمة، وفتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى المشهورة شاهدة على ذلك.
وفي ظني أن الشيخ سلمان حفظه الله تعالى قد أخطأ حين حجر الدعاة أمام المنكرات ليضعهم بين طريقين لا ثالث لهما: إما المشاركة في المنكر وعدم رفضه ومحاولة تعديله، وإما القدرة على منعه كما هو مؤدى كلامه .. ولا سيما أنه يعلم أن السينما منذ صنعت إلى يومنا هذا وهي مرتع الرذائل، ومستنقع الفواحش، وأن من حاولوا تحويلها عن مرادها لتحمل أفكاراً تنفع الناس من الوطنيين والقوميين والإسلاميين قد فشلوا فشلا ذريعاً؛ لأن القائمين عليها والممولين لها في العالم لا يريدون ذلك؛ ولأنها لا تنجح إلا بالإثارة والإغراء، والذي لا تقيده قيود الشريعة سيكون أكثر إثارة وسيطرة على الجمهور من المقيد بقيود الشريعة، وسأذكر لاحقاً بعض النقول عن جملة من أهل الوسط الفني تدل على ذلك.
إن محاولات التهوين من مشروعات المفسدين، ومنها الدعوة لإحياء السينما في بلاد عوفيت منها، وادعاء أن السينما ولجت كل منزل وغرفة عبر الشاشة يدل على عدم إدراك تأثير السينما وما تختلف فيه عن شبكات التلفزة ولو كانت الثانية تعرض الأفلام بعد عرضها في الأولى، وبيان ذلك من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن في إنشاء صالات للسينما وعرض الأفلام المحرمة فيها، واجتماع الناس عليها، مع ما يصاحبها من الدعاية في الشوارع مجاهرة بالمنكر، ودعوة إليه، وتهوين وقعه على القلوب، بخلاف من استتر في بيته فلا يعلم الناس ما يشاهد. بل إن فيها تجرئة العامة على المنكرات واستساغتها؛ لأن الناس يعلمون أن رواد السينما يشاهدون الأفلام المعروضة فيها، ومحتواها معلوم من الدعاية لها، وكان أكثر الناس -ولا يزالون- يزعمون أن الفضائيات التي في بيوتهم هي لأجل الأخبار أو الرياضة، ويتبرؤون من مشاهدة ما فيها من رقص خليع وأفلام ماجنة ولو كانوا يشاهدونها، ومعلوم أن المجاهرة بالمنكر شر من الاستتار به. وبقاء الناس مقارفين لبعض آثام النظر وهم يستخفون بها، ويخجلون من غيرهم أن يعلموا عنهم خير من كسر هذا الحاجز، وتجرئتهم على المنكرات، ومن شاهد أحوال البلاد التي انتشرت فيها السينما يعلم معنى هذا الكلام.
الوجه الثاني: أن الفرق هائل بين مشاهدة الفيلم في صالة العرض السينمائي، وبين مشاهدته في التلفزة، ودليل ذلك: أنه مع انتشار قنوات الأفلام العربية والأجنبية ووصولها إلى البيوت مجاناً فإن جمهور الصالات السينمائية لم يعزفوا عنها، وهي وجمهورها في ازدياد مطرد سواء في مصر والشام أو في بلاد الخليج المجاورة.