للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأمر الثاني: سياسة الأمة ورعايتها بالشريعة الإسلامية في جميع مناشط حياتها الدينية والدنيوية، لأن العلماء هم ورثة الأنبياء والأنبياء كانت تسوس الناس بالشرع، كما في صحيح البخاري - (ج ١١ / ص ٢٧١) عن أبي حَازِمٍ قَالَ: قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ ـ رضي الله عنه ـ خَمْسَ سِنِينَ فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ). وهذا ما كان في زمن الخلفاء الراشدين فإنهم أئمة العلم وقد ساسوا الأمة بالشرع، أما من عداهم فليس سياسته بسنة لخروجها عن السنن النبوية والراشدية في الحكم، وهكذا يجب على العلماء العودة بسياسة الأمة إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون من بعده، فإن لم يقوموا بذلك اتخذ الناس أئمة ضلال يسوسونهم بغير الشرع فيضلوا عن الهدى كما جاء في صحيح البخاري - (ج ١ / ص ١٧٦) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)، وهذا الحديث صريح في وجوب رياسة أهل العلم للأمة وسياستهم شؤونها بالشرع السليم من البدع والخرافات التي لم يقم عليها دليل من الكتاب أو السنة الصحيحة.

وها هنا يجب التنبيه على أمور منها:

١. أن الحاجة ماسة للعلوم الشرعية، وكلما ازدادت الحاجة للعلم ازداد الواجب على العلماء، واليوم لا يشك عاقل في شدة حاجة الأمة لعلوم الشريعة بعد أن طمس التغريب والتبشير والبدع والخرافات كثيراً من معالم الدين لا سيما في باب السياسة والحكم.

٢. أن الأمة لم تعد جسداً واحداً كما أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، بل تقطعت دويلات ومزقت وحدتها، وتعززت القطرية والعصبية والطائفية والفئوية، وعدت الدعوت لوحدة الأمة عند كثير من المنهزمين ضرباً من الخيال الذي لا يمكن تحقيقه، متناسين أن ذلك من الواجبات على الأمة فضلاً عن علمائها.

٣. أن استقلالية العالم وتحرر فتواه من هيمنة السلاطين تراجعت، وغدت مسائل من الدين وجمل من الفتاوى خادمة للقهر والاستبداد ومكرسة للظلم ومصادرة للحقوق والحريات، مما جعل الناس يفتنون في دينهم ويرتمي طائفة منهم في أحضان المذاهب الفكرية والأنظمة السياسية العلمانية وغيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>