للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إن هذا الاجتماع في دار أسعد بن زرارة إنما هو درس، ولم يكن الزمان مقصودا فيه؛ فلا يُسلم أنه عيد.

كما أورد بعضهم على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الاثنين: "ذلك يوم ولدت فيه" بأنه صلى الله عليه وسلم احتفل بيوم مولده بالصيام؛ فالجواب أنه تقرر أن الأعياد الشرعية من الدين المنزل المحدد؛ ولا مجال للقياس في العبادات المحضة؛ فاحتفالنا المشروع بمولده صلى الله عليه وسلم إنما يكون على الصفة الواردة، وهي صيام الاثنين فقط.

ولو صح هذا المنهج للزم أن نزيد ركعات في الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصلاة خير موضوع فمن شاء فليستقل ومن شاء فليستكثر".

والذين يقيمون الموالد وإن كان الدافع لهم على ذلك محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه، ويُشكرون على هذه المحبة فإنه ينبغي أن نعلم أن أعظم محبته هو ترسم منهجه والسير على طريقه.

الأعياد القومية:

وذلك كعيد النيروز أو عيد الجلوس أو عيد الثورة أو عيد الاستقلال وغيرها من الأعياد التاريخية والقومية والعرقية.

فسمة العيد شرعا وعرفا ظاهرة في هذه المناسبات فهي ممنوعة، وتعد محدثة مبتدعة.

وتقدم الكلام أن تخلف نية التعبد عن مثل هذه الأعياد لا تغير شيئا في وصفها بالبدعة الشرعية.

إن حب الوطن والعناية به ـ في حدود ما أقرته الشريعة ـ وكذلك تفضيله على غيره دون معارض شرعي لا تثريب فيه، ولكن الإحداث يحصل بتخصيص يوم معين للاحتفاء به دون سائر الأيام.

الوعظ عن مناسبة في يوم حدوثها:

كالحديث عن غزوة بدر في السابع عشر من رمضان، أو عن الإسراء والمعراج في السابع والعشرين من رجب، أو عن الهجرة في أول السنة الهجرية؛ فهذا من جنس المحدثات.

وكان سبب قيام وصف البدعة هنا هو الصمود إلى زمان معين دون مناسبة معتبرة شرعا ولا عقلا، وقد تقدم أن المناسبة العقلية تقتضي ذكر الشيء في يوم نسيانه لا في يوم تذكره.

وإذا كانت بعض الأحكام ظاهرة في وصفها بالشيء نفيا أو إثباتا فإن هذه المسألة لا تعد كالمسائل التي اجتمعت فيها سمات العيد كالمذكورة آنفا، ولكنها في نظري أقرب إلى أن تُلحق بما وُصف بالبدعة؛ لما تقدم تعليله، ولأنه قول ربط بزمن دون مناسبة عقلية معتبرة. وحري بمن أراد أن يستبريء لدينه أن يدع قصد الزمان في هذه المواعظ، ويمكنه أن يؤجلها أو يقدمها عن التاريخ بالقدر الذي يقطع الارتباط الذهني بعلاقة الموعظة أو خطبة الجمعة بذلك التاريخ.

ولنحذر في هذا المقام من استمزاج الشيء والارتياح له بما يؤدي إلى استحسانه ومحبته، وربما تشديد النكير على من أنكره؛ لأن هذا الارتياح هو الذي حمل أهل الموالد والأعياد المحدثة إلى استحسان بدعهم، والمسلم الموفق هو الذي يحمل نفسه على الأصول الشرعية دون اعتبار لذوقه وارتياحه.

تخصيص أيام الأعياد والجُمع لزيارة المقابر:

وذلك بدعوى عموم أدلة مشروعية الزيارة مطلقة أو عامة؛ وهذا مسلك غير صحيح؛ فيجب أن تبقى على عمومها أو إطلاقها ولا تقيد أو تخص بالرأي؛ فعليه حينئذ أن يعود نفسه على زيارة المقابر حسب الاتفاق من الفراغ والنشاط.

أما إذا كان وقت الزيارة هو وقت الفراغ أو النشاط؛ دون أن يكون الزمان مقصوداً للزائر فلا شيء فِي ذلك؛ كمن لا يجد فراغاً إلا يوم الخميس أو الجمعة مثلاً؛ فله أن يجعل الزيارة فِي هذا الوقت؛ لأنها صارت معقولة المعنى فلم ينطبق عليها حد البدعة.

عيد الزواج:

فما يكون في الأسرة أو خارجها في هذا اليوم من الاجتماع، أو تبادل التهاني، أو الهدايا، أو إحداث أي تغيير في الحياة اليومية التفاتا إلى كون اليوم هو تاريخ الزواج هو في الحقيقة عيد زماني محدث ضاهى فيه المحتفل العيد الشرعي فكان ممنوعا.

حفلات تكريم الطلبة:

تقام حفلات تكريم الجامعيين وطلبة حلق تحفيظ القرآن العظيم؛ فهل تُعتبر بدعة لكونها تشبه العيد؟

ذهب إلى ذلك بعض أهل العلم، والأظهر أن ذلك مرجوح؛ لكون هذه الحفلات معقولة المعنى على التفصيل، والزمن غير معين، ولا يُقصد لذاته؛ كما هي الحال في الأعياد الشرعية وغير الشرعية، وإنما المقصود خاتمة الفترة الدراسية؛ فلو تأخرت أو تقدمت تبعتها في ذلك، وهذا معقول المعنى معروف العلة فلم يكن بدعة.

عيد القرقيعان:

وهو من الأعياد المحدثة؛ بل اجتمعت فيه أكثر سمات العيد من اختيار الزمان وهو اليوم الرابع عشر من رمضان، وإلباس الأطفال الملابس الجديدة، وتهادي المكسرات والتسالي، والاجتماع لأجله.

عيد الأم:

وفيه يقع اختيار يوم معين، ويحصل التهادي والتهاني، وربما الاجتماع؛ فلا يكون مشروعاً.

* * * *

وأمثال هذه الأعياد كثير؛ كعيد الحب والشعبنة، ويوم المعلم وغيرها، وإذا عرفنا القاعدة سهل رد الفروع المتجددة إليها. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>